الخلط بين الإعلام والفضح يكشف الحقيقة التي يريد الكثيرون إنكارها بأنّ برلمان 30 يونيو (حزيران) ما هو إلا سيرك كبير، يخشى القائمون عليه فضح أمرهم بإعلام الناس بما يحدث داخل قاعاته المغلقة. لذا كان قرار وقف البثّ المباشر لجلسات البرلمان من بين القرارات الأولى لمجلس النواب المصري بعد تشكيله، واختيار علي عبدالعال رئيساً له. وهذا الرئيس كان مدعوماً من إئتلاف «دعم مصر» المتّهم بأنه «إئتلاف الدولة»، لكن ما الذي يخشاه النواب من البثّ المباشر لنقاشاتهم داخل المجلس؟
الفريق الأكثر وضوحاً، يرى أنّ البثّ المباشر يكون مادة سهلة أمام المتربّصين بالبرلمان، وهذا الفريق من المؤمنين بنظرية المؤامرة، وأنّ مصر في «حالة حرب». هاتان الكلمتان تستخدمان دائماً كمسوغ لانتهاك الدستور والقانون والمنطق أيضاً. فالمادة 120 من الدستور تنصّ على أنّ «جلسات مجلس النواب علنية، ويجوز إنعقاد المجلس في جلسة سرّية. ثم يقرّر المجلس بغالبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المطروح أمامه تجري فى جلسة علنية أو سرية».
هنا، تغاضى المجلس عن الأصل بعلنية الجلسات، واعتمد على الإستثناء بسريّتها، مع أنّ اللفظ كان محدّدا. وبرغم المطالبات الفردية من النواب بإعادة البثّ مرة أخرى، إلا أنّ هذا لم يحدث. تزامناً، ينشط عضو مجلس النواب مرتضى منصور حالياً في جمع تواقيع من النوّاب على مذكرة يطالب فيها بوقف برنامج «القاهرة اليوم» لعمرو أديب على فضائية «أوربت». كما يجمع النائب توفيق عكاشة تواقيع لوقف برنامج «آخر النهار» للإعلامي خالد صلاح على فضائية «النهار». على نحو عام، ليست هذه القضايا وحدها التي تكشف أنّ البرلمان في «حالة حرب» ضدّ الإعلام، فالمجلس أقرّ الإجراءات القديمة للسماح للصحافين البرلمانين بالعمل داخل البرلمان، بينها موافقة الجهات الأمنية.
النائب عكاشة نفسه هاجم الصحافيين في جلسة أوّل من أمس، ودخل عليهم مكتب الإعلام في المجلس واصفاً إيّاهم بـ «عملاء الأمن»، واتهمهم بـ «الجهل وعدم الخبرة»، وهدّدهم بالمنع من دخول مبنى المجلس.
في اليوم نفسه، اعتدى نائب على محرّر في جريدة «الوطن» الخاصة بالضرب قبل أن يعتذر. إزاء تلك الأجواء المتوترة، أصدرت «نقابة الصحافيين» بياناً الإثنين أيضاً جاء فيه أنّ «علنية الجلسات ونقل وقائعها حقّ للمجتمع»، مؤكدةً أنّها «لا يمكن أن تقبل النيل من هذا الحقّ عبر ممارسات تنال من دور الصحافة في نقل وقائع ما يجري، فضلاً عن أنّها لن تقبل بأيّ حال من الأحوال أن يكون أعضاؤها عرضة للاعتداءات أو محاولة النيل من دورهم الدستوري في تعريف الجمهور بما يجري داخل المجلس». وطالبت النقابة أعضاءها بـ «التوقّف عن تغطية أخبار المجلس لحين التحقيق في واقعة الإعتداء على صحافي من جانب أحد الأعضاء».
أمس، أصدر رئيس مجلس النواب علي عبد العال بياناً ناشد فيه نقابة الصحافيين بالعدول عن قرار عدم تغطية أنشطة البرلمان، وقال: «نحن من جانبنا كمجلس نجلّ ونحترم «نقابة الصحافيين» التي تضمّ صحافيي مصر ونعترف بدورهم الوطني في نقل الحقائق إلى الشعب». بالأمس، إجتمع عبد العال مع المحرّرين البرلمانين، وإعتذر عن واقعة الإعتداء على الصحافي في اليوم السابق، واعداً بعدم تكراره، وهو ما دفع «نقابة الصحافيين» إلى العدول عن قرار المقاطعة.
عموماً، هذا فصل من رواية لن تنتهي بالتأكيد بجلسة إعتذار أو بيان يمتدح رسالة الصحافة، وإنّما بخطوات جادة على أرض الواقع، وخصوصاً أنّ المجلس الحالي يقرّ قوانين الصحافة التي ستنظّم عمل المهنة في الفترة المقبلة، وبالطريقة التي يبدو عليها المجلس، تبشّر بأنّ تلك القوانين ستكون مقيّدة للإعلام وليست منظمّة له كما يطمح أهل المهنة.