من عناء البحث بين أرض النجف في العراق، وجبل عامل في الجنوب اللبناني، والمحاولات الشّاقة للعثور على القصائد الضائعة، أصدر «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» كتاباً يحمل بين دفتيه كمّاً لا بأس به من أشعار الراحل الشيخ ابراهيم صادق، أحد أركان التراث العاملي الذي يشتغل «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» على إحيائه. جهد كبير بذله المجلس للوقوف على سيرة عالم وشاعر وأديب اتّسمت حياته بالغنى الروحي والأدبي. هو المولود في بلدة الطيبة في جبل عامل سنة 1806 حيث توفي أيضاً سنة 1867 بعدما أمضى حياته بين النجف الأشرف في العراق، وجبل عامل في الجنوب اللبنانيّ، عالماً وفقيهاً وشاعراً. وكما ورد في مقدّمة كتاب «ديوان الشاعر الشيخ ابراهيم صادق» (إشراف وتقديم حبيب صادق)، فالشاعر ابراهيم صادق «تلقّى مبادئ العلم في جبل عامل. وبعد وفاة والده بعامين، ارتحل إلى العراق، وأقام في النجف زهاء عشرين سنة، وهناك تخرّج بأجلّة علماء النّجف من أسرتَي الشيخ جعفر صاحب (كاشف الغطاء) وآل قزويني، وبرع في نظم الشعر، وتعرّف بعظماء الدولة العثمانيّة من ولاة القطر العراقيّ، وبعظماء الدّولة الإيرانيّة، وبمشاهير علماء العرب والفرس الذين كانوا يأتون لزيارة العتبات المقدّسة في العراق».
لقد كان الشاعر غزير الإنتاج، إلا أنّ جزءاً كبيراً من أشعاره فُقد جرّاء تنقّله بين النجف، وجبل عامل، وإذ عمل حبيب صادق على جمع ما أمكن من شعره في هذا الكتاب الجديد، فهو يعود بنا إلى زمن الشعر العربي الكلاسيكي، من خلال مجموعة كبيرة من قصائد الشيخ ابراهيم صادق التي تتّصف لغته بالرقّة، وحسن المعنى، وبداعة الأسلوب، والتنوّع في مواضيعه بين المديح، والرّثاء، والقصائد الوجدانيّة، والروحانيّة التي تعود بنا في أنحاء كثيرة إلى قصائد المتصوّفة.
ولعلّ أهمّ ما يميّز شعر الشيخ ابراهيم صادق هو مقدرته على تطويع اللغة لخدمة نصّه الشعري، والمخزون اللغوي الغنيّ الذي كان يمتلكه. يتجلّى ذلك في بعض قصائده كتخميسه القصيدة الخاليّة للشاعر بطرس كرامة، وتخميسه قصيدةً للشريف الرضيّ، وقصيدةً أخرى لأبي فراس الحمدانيّ.
ولعلّ أشهر قصائده هي العينيّة التي نظمها في مديح خصائل الإمام علي بن أبي طالب التي نقشت بعض أبياتها على ضريح الإمام عليّ في النجف الأشرف وفيها يقول: «ذلّت لعزّتك الدهور وأذعنتْ/ لجلال رفعتك العوالم أجمع/ وبسرّك الأرضون قد ثبتتْ على أطواد قدرتك التي لا تهزع». ومن قصائده التي تدلّل على مخزونه اللغويّ، ومقدرته على تطويعه، قصيدة بعنوان «الثّنايا العذاب» جاءت في تسعة وعشرين بيتاً يبدأ كلّ بيت فيها بحرف الباء وينتهي به، ومنها: «بدت كالشّمس من أفق الحجاب/ يموج بوجهها ماء الشّباب/ برى جسدي وأنحلني هواها/ وصيّر مهجتي رهن العذاب».
وإذ جُمع من شعر الرّاحل ما تيسّر، فقد تمّت فهرسته، وتبويبه في الكتاب ليأتي في ثلاثة أبواب صُنّفت بين «إسلاميّات، وجدانيّات، اجتماعيات» وتمّت عنونة القصائد بعنوان مستوحى من روح كلّ قصيدة، ليكون بين أيدي القرّاء ديواناً شعريّاً أصيلاً يثري المكتبة العربيّة بجزء ثمين من تراث جبل عامل.