القاهرة | ليس واحداً من تلك الفيديوهات التي يحذّر أصحابها «شاهد قبل الحذف» ثم تكتشف أنّها لا تحوي غير منظومة كراهية من متعصّب لدين تجاه دين آخر. وليس مناظرة من مناظرات الداعية أحمد ديدات، التي انتشرت في منتصف التسعينيات وما بعدها. إنه فيديو انتشر أخيراً على الفايسبوك وتويتر تحت عنوان «دواير الإلحاد» حيث تتناقش مجموعة من الشباب، طارحةً أفكارها حول الإلحاد.
البداية كانت مع تجمّع شبابي يحمل اسم «اللمة» أرسل دعوة على الفايسبوك لمناقشة «كيف يفكر الملحد». حملت الدعوة هذه الكلمات: «الكثير منّا لم يطّلع على الإلحاد، بل لم يتحاور مع ملحد أو يعلم أنّ للإلحاد صوراً مختلفة. سنعرّف الإلحاد وتاريخه، وسنعرض صوره المختلفة والفرق بين الملحد واللا ديني. وسنعرج على أبعاد مختلفة للإلحاد، من بعد فلسفي ونفسي واجتماعي وديني حتى نصل إلى: كيف يفكر الملحد». وحُدّد مكان التجمع في «مسجد الحاكم بأمر الله» في القاهرة. أثار الأمر حفيظة مجموعة من الشباب الملحد، الذي رأى في اختيار المكان رسالة يضمنها أصحاب «اللمة»، فضلاً عن تحفظهم على عنوان النقاش (كيف يفكر الملحد) وما يحويه من تعالٍ. لاحقاً، جرى تصوير المناقشات التي دارت ورُفع الفيديو على اليوتيوب بعنوان «ممثلو الإلحاد».
ياسمين من منسّقي «اللمة» تقول عن هذه المبادرة إنّ «اللمة» كناية عن مجموعة من الشباب يتقابلون ويتناقشون في موضوع، مؤكدة أنّ النقاش مهم لتفكيك البديهيات. وعن إقامة النقاش في «مسجد الحاكم بأمر الله»، أجابت أنّ فكرة «اللمة» قائمة على إجراء نقاش في أحد الأماكن الأثرية: «خلال «اللمة» الفائتة، كان موضوع النقاش التطور، وقد أقمناه في «جامع السلطان حسن»».
رغم أنّ لطفي يتحفّظ على عنوان المناقشة لأنّها تتعامل مع «الملحد باعتباره نمطاً معيناً من البشر ذا طريقة تفكير ثابتة»، الا أنّه لطالما كان النقاش في الإلحاد حبيس الغرف المغلقة. لم يعلن أحد عن إلحاده في مصر باستثناء الكاتب إسماعيل أدهم (1911 ــ 1940) صاحب الرسالة الشهيرة «لماذا أنا ملحد؟» عام 1937. ومن يومها، هناك حذر في نقاش هذه المسألة. مع النزعة الإسلامية للمجتمع المصري، التي تنامت منذ السبعينيات على يد الإسلاميين الخارجين حديثاً من المعتقلات، وعودة العاملين في الخليج بأفكار إسلامية وهابية، أصبح ضرباً من الانتحار الإعلان عن أي توجه خارج إطار الرؤية الأرثوذكسية للاسلام، حتى شهدنا حوادث فكرية كاغتيال فرج فودة، وما حدث مع المفكر نصر حامد أبو زيد من تكفير، رغم تصوفه!
إلا أنّ الألفية الجديدة حملت معها ثورة المعلومات، وفرض الإنترنت نفسه مصدراً للمعرفة متاحاً للجميع، فيما صارت المنتديات وسيلةً جديدة للتواصل. ظهرت منتديات مثل «منتدى اللادينيين العرب» ليناقش أعضاؤه بجرأة ما لم يقدروا على مناقشته على أرض الواقع، وشهد جدلاً حاداً بين ممثلي الإيمان والمشككين. وانتشرت الكتب الممنوعة في السابق على النت، فهنا لا يمكن ملاحقتها قضائياً، ولا حسبة تقدر على إحراقها. بدأ مرتادو النت بتداول كتب كـ «من تاريخ الإلحاد في الإسلام» لعبد الرحمن بدوي، و«لماذا أنا ملحد؟» لإسماعيل أدهم. خرجت النقاشات من حيزها الضيق في المنتديات إلى العالم الرحب «المدونات». ظهر الفايسبوك وأعاد صياغة العلاقات الاجتماعية بين الشباب، وزاد التواصل الإلكتروني وسهولة الحصول على المعلومة. هكذا بدأ الشباب في مصر بالتعبير عن أنفسهم على نحو أكثر حرية، ولم تكد تمر سنوات حتى أعلن هذا الشباب عن ثورة ضد النظام، ونجح في حشد الشارع عبر الفايسبوك، لكن قبلها، كان الموقع الاجتماعي بيئة خصبة لظهور مجموعات تعلن أفكارها المتعلقة بالإلحاد بحرية كمجموعة «ملحد وأفتخر» و«ملحدو جامعة القاهرة»...، بعض المسؤولين عن هذه المجموعات لم يجد حرجاً في الكشف عن اسمه الحقيقي، وأفكاره. هذه الخطوات راكمت الجرأة في نفس الإخواني السابق أسامة درة ليعلنها بصراحة: «قررت أن أعطّل العمل بالإسلام في حياتي كدين، لأنّ التنافر المعرفي بين بعض تفاصيله وما أظنه الرشاد والعدالة والمنطق، وصل عندي حداً لا أستوعبه، وأن أخفض رتبته إلى مستند ثقافي يملأ فراغات صورة العالم في عقلي وقلبي ويضبط أخلاقي، إلى أن أجد أساساً غيره أو أعيد اعتماده كدين لي». ومع صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر والممارسات القمعية، والانتهاكات التي تخالف ما روّجوه على مدار ثمانية عقود، يبدو أنّ ثمة مقاومة للدين تحمل وعياً معرفياً وشباباً لم يعد واقفاً عند أفكار جامدة وجاهزة، ولا يهاب الدفاع عن قناعاته وإن كان في «جامع الحاكم بأمر الله».






الأزهري... السابق

كان كريم عامر (1984) الأزهري يملك مدونة يبث فيها أفكاره بحرية من دون أن يعبأ بقيود، لكن الدولة التي بدأت تلتفت إلى الثورة المعلوماتية، لم تتركه «يفضفض» ويعرض أفكاره كما يريد. هكذا، اعتقلته السلطات المصرية للمرة الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2005 على خلفية مقال كتبه على الانترنت عن أحداث الفتنة الطائفية في الاسكندرية، ثم أطلق سراحه بعد ثمانية عشر يوماً. بعدها، فُصل عبد الكريم من «جامعة الأزهر» نتيجة مقالات كتبها، ينتقد فيها الأزهر وشيخه، واعتُقل مرة أخرى في أواخر عام 2006 ثم حوكم بتهم عدة من بينها «الإساءة إلى الإسلام» و«إثارة الفتنة» و«إهانة رئيس الجمهورية». وقد حكم على كريم عامر في 22 شباط (فبراير) 2007 بعقوبة الحبس أربع سنوات قبل أن يطلق سراحه عام 2010.