عام 2006، كرّر العالم تجربة عام 1991 في الإضاءة القصوى على موزار (1756 ـــ 1791). هكذا غمر «أزعر سالزبورغ» العالم بجمال مخلوقاته/ أعماله الفائقة الطهارة. «مهرجان البستان» خصّص له دورةً باسمه. يومها دُعيَ زاد ملتقى (1967) إلى «البستان» لتقديم أمسية وحيدة. قبل سنوات، كان الموسيقي اللبناني قدّ «تخلّى» عن مهنته الأولى كعازف بيانو كلاسيكي، لصالح همٍّ موسيقيّ آخر هو التأليف.
لكنه في تلك الأمسية عاد إلى العزف مكرساً برنامجه لموزار وهايدن، حيث أدّى سوناتتين للبيانو من ريبرتوار كلّ منهما، مكتفياً بمقطوعة وحيدة من تأليفه (تحية للمؤلف الإيطالي المعاصر لوك فيراري).
هذه أجواء زيارة زاد ملتقى الأولى إلى «البستان». وفي 14 الحالي، يعود زاد مؤلفاً إلى المهرجان الشتوي. في الأمسية المرتقبة التي تقام بالتعاون مع «المعهد الفرنسي في لبنان»، سيقدّم عملاً من توقيعه بعنوان Tous Les Hommes Dansent (كل البشر يرقصون). عملٌ مميّز لناحية فكرته لكنه مجهول لناحية أهميّته الفنية وقيمته الجمالية، إذ نشهد ولادته في قاعة «إميل بستاني» (في لغة الموسيقى الكلاسيكية يسمّى الأداء الأول للمقطوعة «خلق»). رغم ذلك، يمكننا أن نتوقّع أمراً واحداً هو النمط الموسيقي العام للعمل، أي الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة. وإذا أخذنا في الاعتبار المصدر الذي دفع زاد إلى تأليفه وتركيبة الفرقة التي تؤدّيه، يمكننا الكلام على بعض العناصر المكوِّنة له. ملتقى المسكون بهمّ تاريخ الإنسان وبعوالمه القديمة المندثرة (أو المهددة بالانقراض بفعل الحضارة والحداثة)، انطلق في عمله من بحثٍ أجراه في الـ«بوشمن» (Bushmen)، وهي أقدم مجموعة عرقية تسكن أفريقيا منذ عشرات آلاف السنين. ما زالت هذه الشعوب تتبع نمط حياة بدائياً، علماً بأنها عرفت أسوأ مراحل تاريخها بسبب ضمير المستعمرين الأسود. ما لفت زاد في حياة هذا الإنسان القديم الذي يشهد اليوم على أصلنا كبشر، هو لغته البدائية التي تقوم على التواصل من خلال أصوات لا يمكن ردّها إلى الحروف التي تستعملها الشعوب المتحضرة. هذه الأصوات/ الألفاظ تختزن قوّة إيقاعية دفعت ملتقى إلى البناء عليها، فكتب عملاً «غنائياً» لفرقة تتألف من خمسة رجال (أداء صوتي) وساكسوفون (جويل فرسافو) وإيقاعات (كلاوديو بيتينيلّي). كذلك أضاف إلى عمله جانباً بصرياً، إذ يتزامن العرض الموسيقي مع شريط فيديو يبيِّن عادات البوشمن ويومياتهم. إنّها لفتة فنية مهمة يقوم بها زاد ملتقى تجاه شعب بدائي. لكنه يستخدم لغة موسيقية نقيضة، أي ما بعد حديثة، يصعب أن تفهمها الشعوب المتحضرة... وأكثر منها البوشمن أنفسهم.



زاد ملتقى: 8:30 مساء 14 الحالي ـــ «أوديتوريوم إميل بستاني» (بيت مري) ــ للاستعلام: 04/972980