لم تكن مباراة كرة السلة التي أقيمت قبل أيام بين فريقي «عمشيت» و«الحكمة» لافتة. منذ زمن طويل، لم تعد تلك اللعبة ممتعة. لكن المباراة التي نقلتها lbci كان فيها شيء مميز. مع كل سلّة حقّقها «الحكمة»، كان المخرج ينقلنا إلى صورة جماهير الفريق التي تصفّق أمام شاشة عملاقة في مكان ما خارج الملعب، بينما جماهير الفريق المضيف (عمشيت) موجودة داخل الملعب. يبدو أنّ اتحاد كرة السلة توصّل إلى هذا الحلّ لمنع احتكاك الجمهورين، وهو يعتمده في كل المباريات، ويحدّد عدد الجماهير المسموح بدخولها الملعب.
جماهير «الحكمة» كانت تجلس على كراس في ساحة عامة أمام شاشة عملاقة، مع الأعلام والأبواق واكسسوارات التشجيع المختلفة، وتهتف لفريقها الذي يلعب داخل الملعب في مواجهة الفريق الآخر وجماهيره. وبدت واضحة حماستهم أمام الشاشة العملاقة، وهتافاتهم العالية خير دليل، لكن ما جدوى هذه الهتافات، إذا كان لاعبو فريق «الحكمة» لا يستطيعون سماعها؟
الوضع الأمني والخوف على السلم الأهلي مجدداً يجعلانا أمام شاشة داخل الشاشة. وهذه المرة الشاشة العملاقة تنقل مباراة رياضية لا «مباراة سياسية». فقد اعتدنا أن نشاهد الزعماء في المهرجانات على شاشات عملاقة بسبب أوضاعهم الأمنية. منذ حرب تموز، يضطر السيد حسن نصر الله للظهور عبر شاشة عملاقة في المهرجانات والمؤتمرات الصحافية. جماهير الحزب اعتادت التعامل مع هذا الوضع الاستثنائي الذي بدأ يتحول إلى وضع اعتيادي، فيما الاستثناء يصير في حال ظهور الأمين العام شخصياً في احدى المناسبات.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أيضاً يطلّ على شاشة من منفاه. مرة من الرياض، ومرة من باريس. والسبب أيضاً أمني. لكن أن يضطر جمهور كرة السلة إلى مشاهدة مباريات على شاشة عملاقة بسبب منعه من دخول الملعب، فهذه مسألة تدعونا إلى التأمل في الحال التي وصلنا إليها: سياسيون يخاطبون جماهيرهم من خلف الشاشات. جماهير تشاهد فرقها الرياضية عبر شاشات عملاقة. ناشطون سياسيون يدعون إلى تظاهرات «افتراضية» عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إعلانات على الشاشات للبن والقهوة وخلافهما، تصوِّر اللبنانيين في المهجر يتواصلون مع أهلهم عبر شاشات الـ«آيفون» والـ «آيباد» بواسطة «السكايب»، طبعاً بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية وهجرة «الأدمغة»! وإذا كان بيل غايتس يعتبر أن ما نشاهده في التلفزيون ليس حياة حقيقية أو واقعية، وأنّ على الناس في الحياة الحقيقية أن يغادروا فعلاً المقاهي ويذهبوا إلى العمل... فماذا تكون حياتنا الحقيقية إذاً إذا كان ما نشاهده عبر شاشاتنا غير حقيقي؟
من يجب على هذا السؤال، يربح شاشة عملاقة!