موسكو | منذ انطلاقتها عام 2005، قام مشروع قناة «روسيا اليوم» على نقل صورة روسيا المستقلة عن العقلية السوفياتية إلى الخارج. كان نجاح المحطة باللغة الإنكليزية حافزاً مهماً دفع منظمي المشروع من سياسيين ومسؤولين إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية التي بدت بديهية من حيث الفكر التسويقي، وهي افتتاح قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية في عام 2007.
على مدى ستّ سنوات من العمل، أنشأت المحطة شبكة من المراسلين في العالم العربي، واستقطبت إعلاميين إلى مقرها في موسكو لتعمل على جبهتين، أولاهما التلفزيون وما يحمله من برامج وأخبار، والثاني موقع «روسيا اليوم» الإلكتروني الذي جمع شبكة من المترجمين.
بدأت «روسيا اليوم» العربية ــ قناةً وموقعاً ــ تغطي الأحداث كافة، غير أنّه في الآونة الأخيرة، تبدّلت الأمور. مع انتقال المحطة من المبنى الذي كانت تشغله في وسط موسكو إلى مبنى آخر، راحت تتردد أنباء عن عمليات صرف عدد من الموظفين، ونقطتها الأخيرة كانت إغلاق مكتبها في بيروت، فما حقيقة الخبر؟
لمن لا يعرف، فمكتب بيروت كان عبارة عن مراسل ومصوّر فقط ينفذان عملهما بالتعاون مع News Time (شركة إنتاج). لكن في منتصف شباط (فبراير) الماضي، وصل «إيميل» من الإدارة في موسكو إلى الشركة المنتجة، مفاده توقف العمل في المكتب من دون إعطاء المزيد من التفاصيل، ولم يُبلَّغ الموظفون بالقرار، بل الشركة فقط، لأنّ هناك عقد عمل يجمعها بالقناة. وقبل خمسة أيام، عرضت المحطة آخر تقرير بث عن بيروت، وسيكون الأخير الا في حال اتّخاذ القرار بمزاولة العمل. تشير مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إلى أنّ أسباب الإقفال ذات خلفيات عدة، أهمها العامل السياسي، وتحديداً الازمة السورية وقضية اللاجئين في لبنان الذين رفضوا مراراً التحدث إلى القناة بدعوى مساندتها للنظام السوري.
أما السبب الثاني، فمادي بحت. لكن السؤال المستغرب أنّ الميزانية التي كانت تخصص لمكتب بيروت لا تتخطى 10 آلاف دولار شهرياً، فهل عجز الروس أمام ذلك الرقم؟ يبدو السبب الأخير مقنعاً بعض الشيء، وخصوصاً أنّ المنافسة الإعلامية على الساحة العربية مع انطلاق الانتفاضات العربية، لم تصبّ كثيراً في مصلحة القناة التي لم تتمكّن من منافسة الفضائيات العربية مهما ضخت من أموال؛ فـ«روسيا اليوم» لن ترضي مزاج الشارع العربي، هي التي تكرر تصريحات الخارجية الروسية ومسؤوليها.
وتنقل مصادر مقربة من السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين عتبه الشديد على القائمين على القناة بسبب إقفال المكتب؛ لأنه يرى أنّ العلاقات الروسية اللبنانية تقوم على توسيع هامش التعاون بينهما وتبادل الأخبار. كذلك، فإنّ إقفال المكتب في هذا التوقيت تحديداً يُعَدّ ضربة في غير مكانها، وخصوصاً أنّ الانتخابات النيابية اللبنانية على الأبواب ولم تعرف بعد انعكاسات الأزمة السورية على الوضع المحلي. في السياق نفسه، كشف أحد العاملين سابقاً في مجال إعداد البرامج في «روسيا اليوم» في موسكو أنّ «الأسباب وراء فصله كانت سياسية وتتعلق مباشرة بالقضية السورية». قد تكون الأسباب السياسية البوصلة التي تحدّد عملية انتقاء الموظفين الجدد وتقويم الموظفين الحاليين، لكن رغم ذلك، قامت القناة بتسجيل عدد من «السكوبات». تحت ضربات حلف «الناتو»، تمكنت من تسجيل مقابلة حصرية مع معمر القذافي. كذلك كانت «روسيا اليوم» الإنكليزية أولى القنوات التي سارعت إلى إجراء حوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، فيما كانت «روسيا اليوم» العربية أول من أرسلت وفداً من الإعلاميين خلال بدء الاحتجاجات إلى سوريا.
ويعتقد البعض أنّ مغادرة رئيسة تحرير «روسيا اليوم» العربية تاتيانا ناليتش منصبها تندرج في إطار «حملة التطهير» إذا صح القول، إلا أنّ تسريبات تناقلتها أوساط الإعلاميين العرب في موسكو أفادت بأنّ ناليتش ستترأس وكالة أخبار تابعة لقناة «روسيا اليوم». يبقى أنّ وضع المحطة في موسكو متأزم أيضاً، وقد صرف قبل فترة أكثر من 60 موظفاً روسياً وعربياً، بالإضافة إلى خفض معاشات البعض. لكن يبقى الحديث أن المكاتب الموزّعة في فلسطين والعراق وسوريا ومصر، لا تزال تعمل بنحو طبيعي، فيما يحكى عن عدوى إقفال مكتب العراق لاحقاً... فهل تعود القناة إلى ترتيب بيتها الداخلي والإطلالة بصورة متجددة الى مشاهديها العرب؟ أم أنّ إقفال مكتب بيروت هو القرار الأخير؟