كل من يكتب عن «الحركة الثقافيّة ـــ إنطلياس»، والتظاهرة المهمّة التي تحتضنها البلدة اللبنانيّة المذكورة منذ أكثر من 30 عاماً، يبدأ عادةً من علامة أساسيّة مرتبطة بالمكان، هي «عامية إنطلياس». تلك الواقعة التاريخيّة تريدها الأسطورة، رمزاً لوحدة الشعب اللبناني عبر «النضال الطبقي»، في زمن ثورة الفلاحين على الإقطاع. اليوم، لم يعد الفلاحون كتلة ضاربة، لكن البنى السلطويّة الاقطاعيّة لم تتغيّر كثيراً منذ القرن التاسع عشر، فيما السرطان الطائفي ينتظر منذ ١٨٤٠ من يجتثّه، والوحدة الوطنيّة لا تزال اليوتوبيا المنشودة. في هذه الرحلة المضنية، تؤدي «إنطلياس» دوراً حيويّاً. لا يمكن أن ننسى ذلك المناخ الذي خلقته الحركة في سنوات الحرب الأهليّة؛ إذ كانت الحصن الأخير للعقلانيّة والحوار وحريّة التعبير، حول الأب مارون عطا الله، وميشال عقل، وهاني فغالي وأنطوان سيف وكثيرين غيرهم… مجموعة كبيرة من المعنيين بالثقافة والسياسة والإبداع في المنطقة الشرقيّة، من يساريين وعروبيين ومستقلين ومعتدلين وعقلانيين ورافضين للعنف الأهلي والطائفيّة ووصاية الميليشيات، وجدت في دير مار إلياس لها ملاذاً.
تلك المرحلة البطوليّة، نستعيدها الآن، في زمن مهرّج عبرا الدموي، و«الربيع العربي» على طريقة جبهة النصرة. لقد تغيّرت أشكال الصراع، لكنّ خطر الانعزاليّة والانحطاط بقي نفسه. وبقيت «الحركة الثقافيّة» على ثباتها، مراهنةً على الحوار والاختلاف والتعددية والعقلانيّة، ورفع راية الفكر النهضوي، في ظل ذلك الدير العريق في إنطلياس.