ترافق تدهور وضع الصحافة التقليدية الأردنية مع زيادة الانتهاكات التي تطالها، بينما لا تزال تلك الإلكترونية تحتفظ بمكانتها بين الجمهور، من دون إحداث تغيير يذكر. في أحدث مؤشرات منظمة «مراسلون بلا حدود» الفرنسية على حرية الصحافة لعام 2012، تراجع الأردن إلى المرتبة 134 من أصل 179 دولة، فيما يعزو مراقبون السبب إلى قانون المطبوعات والنشر الجديد، والتشدد في التعامل مع المواقع الإلكترونية.
تقرير آخر صدر عن «مركز القدس للدراسات السياسية» أظهر ارتفاع مجموع انتهاكات حرية الصحافة خلال العام الماضي إلى نحو 96 انتهاكاً، مقارنة بـ 87 انتهاكاً في2011. ويُظهر تقرير «القدس» استمرار ظاهرة الاعتداء الجسدي والتهديد وسوء معاملة الصحافيين. لقد سجل العام الماضي 33 حالة اعتداء، و29 تدخلاً حكومياً وأمنياً، كما سُجّلت ثماني حالات منع نشر. وتطرّق التقرير إلى حالات نقل وفصل تعسفي، إضافة إلى توجيه إنذارات كيدية لصحافيين اعترضوا على السياسة الداخلية لمؤسساتهم أو على نهجها التحريري، أو لانتقادهم جهات حكومية. وخلال العام الماضي، استمرت حالات توقيف الصحافيين وإحالتهم إلى المحاكم (خصوصاً محكمة أمن الدولة)، رغم منع الدستور والقوانين الإعلامية توقيف هؤلاء ومقاضاتهم أمام محكمة عسكرية. وقد سجّل عام 2012 ثماني حالات توقيف واستدعاء مقارنة مع أربع حالات في العام السابق. وفي إطار الانتهاكات التشريعية، رصد انتهاكان تمثّلا في إصدار الحكومة قانوناً معدلاً لقانون المطبوعات والنشر، يفرض قيوداً على عمل الإعلام الإلكتروني، فضلاً عن أنّ التقرير أفرد فصلاً خاصاً بتعدي برلمانيين على حرية الإعلام. وفي مقابل ركود وضع الصحافة التقليدية والانتهاكات التي تطالها، حققت الصحافة الإلكترونية شعبية كبيرة بمجرد ظهورها، مستفيدة من قدرتها اللحظية على بث الأخبار وإتاحة خاصية التعليق من دون إعلان الهوية. بقيت الصحف اليومية تعتدّ برصانة طبعاتها الورقية مقابل ما يوصف بـ«خفة وعدم مسؤولية» الصحافة الإلكترونية، فهي برأي البعض تتسم بالعفوية وتميل نحو الإثارة وتنزع نحو التعدي على الخصوصية الشخصية...مع ذلك، شكّلت الصحافة الإلكترونية الأردنية نافذة لا تعوض للمجتمع الذي رأى في عفويتها نوعاً من الصدقية، وفي ميولها تجديداً، وفي نوازعها جرأة. هذا «المجتمع» لا يقتصر على المواطنين، بل يضم مسؤولين حكوميين حاليين أو سابقين، تضيق بهم أنفسهم، فيسرّون بمكنوناتهم لأهل هذا النوع من الصحافة. ولدت الصحافة الإلكترونية في ظل الخيبات السياسية التي تلت عام 2003، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى أداة في يد الطبقة السياسية والنخبة. غير أنّ ذلك تحوّل إلى نقطة قوّة، إذ وفّر لصحافييها مصادر معلومات غزيرة تثبت أن البلاد على فوهة بركان، فيما الوضع باقٍ على ما هو عليه، لكن إلى متى؟