ازدحمت السوق الأردنية على إثر الانفراج السياسي في بداية التسعينيات (من القرن الفائت) بالصحف الأسبوعية التي انتشرت على نطاق واسع ولاقت إقبالاً كبيراً من مستويات وفئات مختلفة جديدة من القراء، على نحو يذكر اليوم بالإقبال الكبير الذي يشهده الأردن على وسائل الاتصال الاجتماعي، وربما كان السر في ذلك هو أنها استوعبت الأعداد الكبيرة من الصحافيين الشباب، الذين أغلق الإعلام الرسمي أبوابه في وجوههم.
كانت الصحف الأسبوعية تبيع بالاعتماد على «المانشيت» الساخن والجريء والتهكمي، ولذا غلب عليها جميعاً تحويل الصفحة الأولى إلى لوحة من المانشيتات متعددة الألوان والبنط والخط، والحرص على حشد كل قدر ممكن من الإثارة؛ وكانت تجربة الصحافة الأسبوعية تحاكي الغنى في الحراك العام في تلك المرحلة، وشكلت الحاضن الذي تبلور فيه جيل من الكتاب الساخرين ومن رسامي الكاريكاتور مختلفي المدارس.
وبرغم أن تلك المرحلة شهدت العديد من القضايا المرفوعة من الجهات المختصة في الحكومة (دائرة المطبوعات والنشر)، إلا أن الصحافة الأسبوعية (وهذا يحسب لها) هزت اليقين بقداسة سقف حرية الكلمة، وحطمت القواعد الجامدة والصارمة لقبول أعضاء جدد في الجسم الصحافي، وشجعت القارئ على رفع سقف توقعاته من الصحافة والإعلام عامة.
كانت الصحافة الأسبوعية صحافة مشاغبة أكثر منها حرة، ومارست حريتها مستفيدة من فوضى هائلة نجمت عن تحطم نحو أربعين عاماً من العلاقة الأبوية مع السلطة، ونحو عشرين عاماً من تكريس الملك الراحل حسين «أباً أولاً»، إلى جانب الذهول الذي أحدثته أحداث كبرى مثل الحرب الثلاثينية ضد العراق (1990) وما تبعها، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي ومؤتمر مدريد. وباختصار كان العالم حينها قد بدأ بتقليب صفحاته شديدة الإثارة.
حققت الصحافة الأسبوعية إنجازاتها المهمة، ومنها تحطيم السقف، وتحرير المهنة من الاحتكار؛ بمعنى آخر: ورطت المجتمع في الصحافة، ووضعت الصحافة وجهاً لوجه أمام المجتمع. كما أنّها خرّجت للمهنة صحافيين أكثر مما فعلت الكليات الجامعية، وأسهمت في رفع سقف الحرية أكثر مما فعل البرلمان والأحزاب، وكسرت «هيبة» الحكومات أكثر مما استطاعت المعارضة، بل كانت هي الشارع الذي تحتشد به المعارضة.
بدأت معاناة الصحافة الأسبوعية بعد اتفاقية وادي عربة 1994، فقد أصبح السياسي الأردني (متأثراً بالملك) يضيق ذرعاً بها ويبحث عن حلٍ شافٍ يريحه منها. ثم تورطت الصحافة الأسبوعية بالعمل لدى مراكز القوى (كان كل واحد المتنفذين من الوزراء والأثرياء في الأردن يحسب نفسه مركز قوة)، ولم تسعفها حداثة تجربة أهلها، فتعثرت أمام فرص العلاقات والشهرة التي أتاحتها «الإثارة»، وتهاوت صدقية بعضها سريعاً، فيما أطاحت «الدائرة» ببعضها الآخر، أما البقية الباقية فتوكل بها قانون المطبوعات والنشر لعام 1997.
الصحافة الأسبوعية، اليوم، هي «ون مان ميديا»، تصدر في بضع مئات من النسخ لترمى من بعد ذلك مرتجعات. ولكن لا يهم طالما أن سياسياً ما يريد ان يغيظ آخر، أو ثرياً ما بطموحات سياسية يريد أن يثبت جدارته بعشر نسخ يوزعها على من يعنيه الأمر. والمؤسف أن بعض هذا بدأ يزحف على الصحافة اليومية.