القاهرة | الرئيس محمد مرسي أكثر أباطرة مصر بطشاً بالصحافيين! حقيقة أكّدها التقرير الذي نشرته «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» في بداية العام الحالي (الأخبار 21/1/2013)، وكرّستها التجربة. الأمثلة على ديكتاتورية النظام الإخواني وبراعته في تكميم الأفواه كثيرة، آخرها مقطع فيديو لا يكاد يتعدى سبع دقائق تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين. يفضح الشريط، الذي حقق انتشاراً واسعاً، كيفية تعاطي الشرطة المصرية مع المواطنين وتلفيق التهم لهم وفبركة الملفات. في حلقة الثلاثاء الماضي من برنامج «آخر كلام» الذي يقدّمه يسري فودة على قناة «أون. تي. في»، روى المواطن أيمن مهنى يحيى عفيفي ما تعرّض له قبل أسبوعين في الإسكندرية وهو في طريقه إلى دفع فاتورة هاتفه الخلوي.

علامات الانكسار والإحباط بدت واضحةً على الشاب الذي اعتقل عشوائياً بعدما صدف وجوده في مكان تظاهرة، قبل أن يُدفع إلى سيّارة مدرّعة تابعة للأمن المركزي، ويغطى رأسه بكيس أسود. في هذه الأثناء، كان أحد العسكريين يصعد على جسده لرمي القنابل على المتظاهرين، ثم اقتيد مع العشرات إلى «معسكر» مجهول، لتبدأ قصة التعذيب الطويلة. وشدد أيمن على أنّه لم ير وجه أيّ من الضباط الذين حققوا معه أو عذّبوه. وأهون أشكال التعذيب كان إجباره وغيره من المعتقلين على اختيار أسماء سيّدات لمناداتهن بها، ومن ثم ربط أعناقهم بحبال والطلب منهم التصرّف كالكلاب، فضلاً عن تصوير كل ذلك بكاميرات الهواتف الخلوية. وقد تعرّض أيمن ومن معه للضرب المبرح، ووضعوا في غرف غطيت أرضيتها بالمياه ووصلت بأسلاك كهربائية، فما كان من الشباب إلا أن بدأوا بالقفز «وكأننا أسماك على نار الشواء». وعند رفض أيمن التوقيع على اعتراف بأنّه ينتمي إلى جماعة الـ«بلاك بلوك»، حاول الضابط إقناعه بأنّه السبيل الوحيد أمامه لإخلاء سبيله، خصوصاً أنّه «لا أدلة تدينك»، لكنّه رفض مجدداً! هدف أزلام مرسي كان إثبات أنّ الـ «بلاك بلوك» تشكّل خطراً على الأمن القومي. بعد مرور ثلاثة أيام، رمى رجال الأمن المعتقلين في منطقة مهجورة بالقرب من «ترعة المحمودية، زي الكلاب»، ليزحفوا بعد ذلك كلّ إلى منزله وهم في حالة يرثى لها.
خلال الحلقة، ردّد أيمن مراراً أنّ لا علاقة له بالسياسة، بل ينتمي إلى «حزب لقمة العيش»، وتمنّى بحزن شديد من ربّه أن «يعجّل في عمري ولا يؤجّله» بعدما توجّه إلى «الأحرار في البلد» قائلاً: «أنا إنسان ضعيف وغلبان، وما ليش في السياسة». ويعتبر الشاب المصري ما حدث معه «نقطة سوداء» لن يتخلّص منها طوال عمره!
هكذا عادت مصر في عهد أوّل رئيس منتخب إلى أفظع مما كانت عليه أيّام حسني مبارك. حادثة خالد سعيد باتت تتكرّر يومياً، وكلما زادت أعداد التظاهرات، ارتفع عدد المعذبين من الأبرياء. أنصار النظام بدورهم لجأوا إلى أسلوب الدفاع الوحيد لديهم: اتهام الخصم بالكذب والعمالة لنظام مبارك. يوم سُحل المواطن حمادة صابر، وصفه الإعلام الإخواني بالكاذب. أما اليوم، فقد شكّل الإعلام الثغرة الوحيدة لمعرفة الرأي العام ما يجري على الأرض. ثغرة تفضح نظاماً يسعى إلى سدّها في ظل فشل إعلامه في إقناع الجمهور بمواقف الرئيس الذي ينسب نفسه زوراً إلى الإسلام. لم يتوقع الشباب الذي خرج في كانون الأول (يناير) 2011 للمطالبة بالحرية أن يصل به الدرك في عهد مرسي إلى هذا الحد حيث تحاصر الحرية وتصادر الأصوات، ويُقمع كل ذي رأي مختلف.