لا بأس بجرعة من «الأكشن» هنا، والتوتير وشدّ العصب هناك. عنف لفظي وجسدي، وتراشق بما تيسّر وتوفّر على الطاولة. تلك هي الصورة التي رست أخيراً في برامج الـ«توك شو» السياسي في لبنان. صورة ما فتئت أن أصبحت عدوى تنقلت بين الدوحة وبيروت، وأغلبها على خلفية الأزمة السورية. صحافيّين كانوا أو سياسيين، لا فرق. فقد اختبر كلاهما كيف يكون الانحدار نحو السوقية والشعبوية والديماغوجية مباشرةً على الهواء. طبعاً يطيب لبعض أصحاب القنوات التلفزيونية هذا الأمر.
حتى إنّ الوجوه التي اشتهرت بـ«بطولاتها» على الشاشة، أصبحت مألوفة ومستنسخة، تتنقّل من برنامج إلى آخر. في بضع ثوان، يكون قد بُثّ ما بُثّ. وإن لم يحصل هذا الكباش، فقد يُطلب من مقدّم البرنامج نفسه القيام بالمزيد من الإثارة لرفع نسبة المشاهدة وإرضاء المعلنين.
منذ بدء الأزمة السورية، تحوّلت المنابر وخصوصاً البرامج السياسية إلى حلبة مصارعة بكل ما للكلمة من معنى. «بموضوعية» الذي يقدّمه وليد عبود على شاشة mtv، استهلّ هذه البدعة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2011 عندما تحوّل الحوار السياسي الى تراشق بالكراسي والمياه وتبادل الشتائم على خلفية الحديث عن الأزمة السورية بين النائب مصطفى علوش والوزير السابق فايز شكر. تبعها من الدوحة هذه المرة برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي يقدّمه فيصل القاسم على «الجزيرة»، إذ شهد عراكاً بالأيدي بين الصحافي جوزيف أبو فاضل والمعارض السوري محيي الدين اللادقاني. وأخيراً، أرخى هذا الاستعراض بثقله على برنامج «حديث الساعة» الذي يقدّمه عماد مرمل على شاشة «المنار». قبل أسبوعين، شهد البرنامج خروج الصحافي سالم زهران عن طوره وتعاركه مع «خصمه» الضيف الآخر الصحافي أسعد بشارة وانهمرت الكلمات النابية من العيار الثقيل. جرعات عنف «لايف» تحفّز على كره الآخر و«اغتياله» معنوياً بين شخصيات يفترض أنها تمثل جزءاً من الرأي العام وتتكلم باسمه. لكن ها هي تتفوّق على لغة الشارع، والإعلام يحضنها، ولعلّه يصفّق لها في سرّه، فمعاركها تزيد شهرة البرنامج وترفع نسبة المشاهدة. يكفي أنّ المعركة التي تشتعل على البرنامج، ستنتقل في غضون دقائق إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتصبح حديث الناس لأيام وأيام، ريثما تقع معركة أخرى! أرض خصبة تغلي طائفية وتتقلّب في وحول التقسيم والكراهية ونبذ الآخر المختلف أو حتى غير المختلف.
بالنسبة الى رئيس مجلس إدارة lbci بيار الضاهر، فإنّ كل «توك شو» يقوم على أساس الحدث. في حديثه مع «الأخبار»، يرى أنّ المشكلة الحقيقية تكمن وراء الشاشة حيث ينقطع الحوار والتواصل بين الضيوف، وليس فقط أمام الجمهور. ينعكس هذا الأمر بشكل جليّ على الشاشة، وبالتالي لا يستغرب الضاهر حصول هذه المعارك في البرامج السياسية. وهو يحبذ فكرة أخذ استراحة إعلانية طويلة في حال بروز أي منحى للتشاجر والتصعيد كما حدث مراراً في «كلام الناس»، لكنّه لا يشجع على قطع البث لو حصل ما لا تحمد عقباه بين الضيوف. إذ يرى أنّ من حق المشاهد الاطلاع على ما يجري في هذه اللحظة. ورغم أنّ بعض معدي البرامج يؤكدون لـ «الأخبار» بأنّ أصحاب المحطات يمارسون ضغطاً على مقدّم البرنامج السياسي ويطالبونه بـ «الإثارة» من أجل زيادة نسبة المشاهدة، إلا أنّ بيار الضاهر ينفي هذا الأمر تماماً، مؤكداً أن تعليمات المحطة لكل مقدّم هي الالتزام «بتشجيع الحوار ووضع حدّ لأي أمر قد يخرج عن المنطق». في «حديث الساعة» على شاشة «المنار» الذي أصبح حديث البلد بسبب انتقال عدوى العراك إليه وخروج الشتائم والتعنيف من منبره، يؤكد مقدمه عماد مرمل (الصورة في الكادر) لـ«الأخبار» أنّ أي صحافي يسعى الى حلقة حيوية حارة، لكن ليست متفجرة كما حصل في حلقته الأخيرة التي أصرّ فيها على أن يعتذر الضيفان المتصارعان على الهواء، وهذا ما حصل بالفعل في النهاية. ويعزو مرمل التصادم الى الاحتقان الكبير في النفوس، واصفاً الثواني الخمسين التي بلغتها مدة العراك بـ«لحظة التخلي التي لم يكن مخططاً لها مسبقاً بعد مدّ وجزر ومناورات كلامية أفضت الى هذا العنف». وعن إمكانية توليد هذه الصراعات ردود فعل عنيفة من قبل الجمهور، يقول مرمل إنّ الأمر ذو شقين، إيجابي يتمثل في تكوين صدمة لدى المشاهد مثل جرس إنذار له لما يحصل، وسلبي يلعب على غريزة المتلقي ويشبعها ويغذّيها. ويختم الإعلامي اللبناني بأنّ حصول هذه الصدامات لا يجب أن يشكل عقدة، فالمواجهة «تكون بالمزيد من الحوار وإبراز وجهات النظر المختلفة بطريقة حضارية».