في حديقة المتحف الوطني في دمشق، كان مازن درويش يلتقي من يحب، لم تأخذه الحماسة يوماً حدّ التهور، ولم يجرؤ على إعطاء معلومة من دون التأكد منها. لكنّه في المقابل نذر نفسه للنضال من أجل حرية الإعلام والدفاع عن معتقلي الرأي. هكذا، أسس «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» حيث عمل على توثيق الانتهاكات بحق الإعلام في سوريا. وأصدر تقارير متلاحقة وزعها على وسائل الإعلام توثّق كل اعتقال يحدث بحق الإعلاميين، وتحكي ظروف اعتقالهم وحيثياته، إلى أن ضاق الاستبداد ذرعاً فدهمت المخابرات الجوية مقر المركز في المزة في 16 شباط (فبراير) 2012، واقتيد المحامي الثلاثيني مع بعض زملائه إلى أقبية التعذيب. بعد فترة، نقل بعض الناشطين إلى «سجن عدرا المركزي» وأطلق سراح آخرين ومن بينهم الطبيب أيهم غزول الذي أعيد اعتقاله من حرم جامعة دمشق. وبعد فترة، أعلن بعض الناشطين عن استشهاد أيهم تحت التعذيب من دون إعلام عائلته بالخبر إلا بعد مرور 82 يوماً على استشهاده! أما رئيس المركز وباقي رفاقه، فيكملون اليوم عاماً كاملاً من الاعتقال. وقد انتشرت بعض الأخبار التي أفادت بتدهور وضع مازن الصحي بسبب ظروف اعتقاله السادية وطريقة تعامل الجهات الأمنية معه. ثم سرت شائعات عن وفاته.
لكن عائلة الإعلامي والناشط السوري نفت الشائعة وأكدت تواجده في أحد سجون الفروع الأمنية في دمشق، لكنه فقد الكثير من وزنه. وقبل أيام، كتب المحامي ميشيل شماس على صفحته على الفايسبوك: «اليوم، استجوب قاضي تحقيق محكمة الارهاب أعضاء «المركز السوري للإعلام». وبعد الاستجواب، قرر الإفراج عن عبد الرحمن حمادة ومنصور العمري فيما قرر توقيف رئيس المركز مازن درويش وهاني زيتاني وحسين غرير في انتظار تقديم طلب لإخلاء سبيلهم الأسبوع المقبل. ونأمل أن يطلق سراحهم». وسرعان ما ردت الصحافية يارا بدر خطيبة مازن درويش وزميلته في المركز بتعليق صريح عبر صفحة المركز على الفايسبوك قالت فيه: «بعد الاتصال بالمحامين الذين يتابعون القضية، إنّنا نؤكّد أنّه لم يتم توقيفهم (بناء على قرار قضائي)، ولا يزال اعتقالهم مستمراً، ولا إشارات حول إمكان إخلاء سبيلهم. نبارك للمُفرج عنهم، ونرجو مساعدتنا في عدم نشر أنباء قد تمس سلامة من بقي وهم الزملاء حسين غرير، هاني الزيتاني ومازن درويش... ونؤكد على أنّ أي خبر يخصّ الزملاء يصدر حصراً عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير». عام من الظلام مرّ على الصحافي المعروف بنضاله وأخلاقه العالية مع مجموعة من زملائه ولا أحد يعرف متى تلفحهم نسمات الحرية من جديد.



جائزة «الحرية»

تأسّس «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» برخصة من فرنسا عام 2004، وحصل على صفة استشارية لدى الأمم المتحدة عام 2011، من دون أن توافق السلطات السورية على ترخيصه. لكن مازن درويش تحدى القمع وباشر العمل وتابع زملاؤه الأحرار المسيرة رغم اعتقال عدد كبير منهم. وقد فاز درويش بجائزة «حرية الصحافة» لعام 2012 التي تمنحها سنوياً منظمة «مراسلون بلا حدود»، تكريماً لدوره ولعمله الصحافي الدؤوب للدفاع عن حرية التعبير. يومها، تسلّمت الصحافية الفرنسية آن صوفي شيفر الجائزة عنه، هي التي رافقها درويش أثناء إحدى زياراتها إلى سوريا.