بغداد | لا يبدو أنّ كلّ الصحافيين في بغداد مُقتنعون بمظلّةِ نقابتهم القديمة (نقابة الصحافيين العراقيين) لأسباب شتّى أهمّها المواقف المهادنة التي يتّخذها رئيسها مؤيد اللامي إزاء انتهاكات السلطة والأمن بحقّ الصحافيين، ولعلّ هذا ما دفع المعترضين إلى تأسيس «النقابة الوطنية للصحافيين العراقيّين».
لكن هل مرّت ولادةُ هذا التشكيلِ من دون تسجيل ملاحظات؟ المعروف أنّ رئيس النقابة القديمة مؤيّد اللامي ابنُ ثقافة أحادية لا تنتمي إلى الفضاء الذي يسعى ناشطون مستقلون إلى ترسيخه، حيث المجتمع المدني قوّة ضغط على السلطة وأداة تثقيف المجتمع. الأمرُ ذاته ينطبق على زملاء اللامي؛ إذ لا يجمعُهم سوى أنّهم أصحاب تاريخ معروف في صحافة النظام السابق وصحف عدي صدام ونقابته. بالطبع، فإنّ أسماء هشة كهذه تخشى تذكيرَها بماضيها، لا بد من أن «تنطبح» أمام أي سلطة جديدة كي تشطب تاريخها السابق مع إعلان ولائها المطلق. ومن هنا ارتكبت النقابة القديمة جملةً أخطاء، أولُها أنّها تحوّلت إلى جمعيّة تعاونية لتوزيعِ الهبات (منح ماليّة سنوية)، ثمّ خفوت صوتها في مناسبات كثيرة منها التظاهرات المطلبية عام 2011 وما تعرّض له صحافيون شاركوا فيها، إضافة إلى غياب المعايير في منح هويّات النقابة. هذه السلوكيات خلقت أجواءً مشحونة في النقابة. لذا تصدّت مجموعة من الصحافيّين لتأسيسِ نقابة جديدة هي «النقابة الوطنية للصحافيين العراقيّين». لكنّ المشكلة التي واجهت هؤلاء أنّه بحكمِ دعم مؤسّسة «المدى» (فخري كريم) للخطوات الأولى من المشروع ودخول محرريها كمبادرين أساسيين فيه، فقد جرى استخدام ذلك من قبل الطرف الآخر كلافتة للتقليل من استقلالية القائمين على الفكرة. وأخيراً، أقيم المؤتمر التأسيسي لـ«النقابة الوطنية للصحافيين» في فندق «عشتار شيراتون» في بغداد، وسط حضورٍ سياسي وإعلامي «نخبوي». غير أنّ الخطأ الذي وقع فيه المؤسّسون هو قبولهم بدعم مالي من ساسةٍ وقادة أحزاب هم في المعسكر المعارض لجبهة نوري المالكي. لا ندري ما معنى أن يقال في افتتاح المؤتمر: «شكر خاص لأصدقاء أعزاء قرنوا دعمهم المعنوي بدعم مادي (...) هم: رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، رئيس «الحزب الوطني الديموقراطي» نصير الجادرجي، رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» النائب أحمد الجلبي...». ولا نعلم ما الفرق بالنسبة إلى الصحافي المستقل، بين نقابة يدعمها المالكي ويسخّر لها أموال الدولة، وأخرى جديدة تبدأ خطوتها الأولى بدعم من البارزاني والجلبي... حالما انتهى المؤتمر، عقدت نقابة الصحافيّين القديمة «مؤتمر وحدة العراق للأسرة الصحافيّة» كردّ فعلٍ على ما حدث. وإذا كان مؤتمر «الوطنية» قد انتهى بالتقاطِ الصور التذكاريةِ للفائزين، فإنّ مؤتمر النقابة الأم انتهى بهتاف «كلّ الصحافة وياك يا إبن اللامي»! هكذا صرنا أمام مشهد جديد في الساحة الاعلامية، يفتح الباب لاستقطابات وصراعات للحصول على شرعية الوجود والتأثير في البلاد.