القاهرة | في حيثيات قرارها إيقاف القناة، قالت المحكمة إنّها بثت «مشاهد ولقطات ومساحات زمنية من البذاءات والألفاظ السوقية المتدنية التي لا يجوز أن يكون مجال استعمالها على الفضائيات». ورأت أنّ بث هذه البذاءات «سيؤدي إلى نشر الرذيلة والعصف بكيان الأسرة». المفارقة هنا أننا لا نتحدث عن قناة رقص وغيرها من المحطات التي يتهمها الإسلاميون ببث الرذائل.
نحن نتحدث عن قناة «الحافظ» الدينية التي قررت محكمة القضاء الإداري في القاهرة إيقافها عن البث لمدة 30 يوماً، ومنع مقدم أحد برامجها عاطف عبد الرشيد، وأحد ضيوفها الداعية عبد الله بدر من الظهور على أي شاشة للمدة نفسها. أما المفارقة الأخرى، فهي أنّ الحكم صدر لمصلحة الدعوى التي أقامتها إلهام شاهين بعدما اتهمها بدر عبر القناة المذكورة بممارسة الزنا و«تعليم البنات الرذيلة». شنّت شاهين هجوماً قضائياً على القناة، فكان أحد آثاره قرار المحكمة بإيقاف المحطة. هكذا خسر الإسلاميون الجولة القضائية الأولى بإدانة لم يتخيلوا يوماً أن توجّه إليهم، لكن المعركة مستمرة.
طبقاً للدستور المصري الجديد، فحرية الإعلام مكفولة ولا يجوز تعطيل صحيفة أو محطة «إلا بحكم قضائي». إذاً، لم يعد للسلطة التنفيذية حق التعطيل المباشر للمؤسسات الإعلامية، لكن ذلك الاستطراد الدستوري (إلا بحكم قضائي) الذي أدانته المعارضة والإعلاميون، نقل الصراع إلى قاعات المحاكم. على أي حال، للإسلاميين خبرة طويلة في تقديم البلاغات ضد الفنانين والإعلاميين، لكن «قضية إلهام» كانت للمرة الأولى هجوماً في الاتجاه المعاكس، يشي باحتدام المعركة.
في اليوم نفسه، وفي قاعة أخرى، رفضت المحكمة وقف بث «البرنامج» الذي يقدمه باسم يوسف في الدعوى التي أقامها محمود حسن أبو العينين، أحد محامي جماعة الإخوان المسلمين. اتهم الأخير يوسف «بالاستهزاء بالدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية»، وبث «تلميحات جنسية تجاوزت حدود النقد المباح والموضوعية الهادفة، وأصبحت تمثل تطاولاً على رمز الدولة، وانتهاكاً للقيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع»! لكن الدعوى التي رفضتها المحكمة ضد باسم مجرد واحدة من دعاوى متعددة، تتهم المقدم الساخر بطيف واسع من التهم تبدأ بإهانة الرئيس وتصل إلى ازدراء الدين الإسلامي، وهي دعاوى يسخر منها باسم أسبوعياً في برنامجه، لكنه يودع الجمهور كل مرة قائلاً إنه لا يضمن لقاء الأسبوع القادم. أما القضية المقامة ضد الصحافي والإعلامي المخضرم إبراهيم عيسى، وضد برنامجه «هنا القاهرة» (قناة «القاهرة والناس»)، فقد أجلتها المحكمة إلى 13 نيسان (أبريل)، علماً أنّ الدعوى التي أقامها المواطن حسن علي تتّهم عيسى «بتعمد إهانة الرئيس والرموز السياسية»، «والتعرض للقرآن الكريم وآياته والسخرية منه»!
لكن القضاء أتى بخبر سعيد لمجموعة قنوات «دريم» في القضية المعروفة باسم «استديوهات دريم». بعدما أوقف وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود بث القنوات من استوديواتها الخاصة، آمراً إياها بالبث من مدينة الإنتاج الإعلامي، أمرت المحكمة بعودة بثها من استوديواتها الخاصة في مدينة «دريم لاند». ما زال المجال مفتوحاً في القضايا السابقة للاستئناف، وسيل الدعاوى سيتزايد يوماً بعد آخر، ما يعني أنّ على الإعلاميين المصريين تدعيم إمكاناتهم القانونية، والتواصل بصورة أكبر مع المستفيدين الوحيدين من الدستور الجديد، ألا وهم المحامون!