تونس | في الوقت الذي هدّد فيه عناصر من رابطات «حماية الثورة» (التابعة لحركة «النهضة») الرئيس السابق لـ«نقابة الصحافيين التونسيين» ناجي البغوري بالذبح في شارع الحبيب بورقيبة، اقتحم عناصر آخرون من الرابطة في جزيرة جربة (خليج قابس شرقي تونس) دار «الثقافة» في منطقة «جربة ميدون»، ومنعوا عرض شريط سينمائي بحجة معاداته للثورة!
على رغم الإدانة الجماعية التي تتعرّض لها منذ أشهر رابطات «حماية الثورة» من قبل السياسيين والحقوقيين بسبب تورّطها في العنف بل القتل، مثلما حدث في مدينة تطاوين جنوب البلاد، فقد واصلت تلك الرابطات نهج القوّة الذي اختارته بدعم من حزبي «النهضة» و«المؤتمر» بهدف «تأديب» المعارضين، تحت حجة جاهزة هي مكافحة رموز النظام السابق و«حماية الثورة».
آخر حلقات العنف طالت هذه المرة صحافيين ومبدعين. في الذكرى الثانية للثورة، اعتدت رابطات «حماية الثورة» ظهر أول من أمس (الاثنين) على الصحافيين زياد الهاني (الأخبار 15/1/2013) والنقيب السابق للصحافيين ناجي البغوري الذي كان أحد الأصوات التي استهدفها نظام زين العابدين بن علي وتمّت إزاحته من قيادة النقابة بعدما أبدى مواقف مناهضة لسياسة النظام السابق في تركيع الصحافة. وقد وجّه عناصر من رابطات «حماية الثورة» تهديدات مباشرة لناجي بالذبح بتهمة دفاعه عن متورّطين مع النظام السابق. وصرّح البغوري بأنّ هذا التهديد جاء على مرأى ومسمع من قنوات الأمن التي يتهمها عدد من الحقوقيين والسياسيين بالتواطؤ مع رابطات «حماية الثورة». وأدانت «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» التهديدات التي طالت نقيبها السابق وتوعّدت بملاحقة المعتدين بتهمة التحريض على القتل وهي من الجنايات حسب القانون التونسي.
وفي السياق نفسه، في جنوب البلاد وتحديداً في جزيرة جربة السياحية، اقتحمت مجموعة تنسب نفسها لرابطات «حماية الثورة» دار الثقافة في منطقة جربة ميدون، ومنعت عرض شريط تسجيلي بعنوان «عملتها وندمت» للسينمائي الشاب أيمن حمدي، بحجة أنّه لا يتماشى مع روح الثورة. وقد أحدث اقتحام القاعة حالة من الخوف والهلع بين الحاضرين. بعد هذه الحادثة المؤسفة، أطلق فنانون صرخة خوف على مصير الحريات في البلاد. بعدما تخلّص المبدعون من الرقابة التي تمارسها وزارة الثقافة على الإبداع السينمائي والمسرحي والأدبي، ها هي رابطات «حماية الثورة» تحلّ مكان أجهزة الدولة بدعوى «حماية الثورة»!
هذا المنع الذي تعرض له «عملتها وندمت» مؤشر خطير على توغل جهاز رابطات «حماية الثورة» التي بدأت تقوم بدور مواز للأمن. ورغم إجماع كل الأحزاب السياسية، باستثناء ثلاثة هي «النهضة» و«المؤتمر» و«حركة وفاء» المنشقة عنه، على إدانة هذه الرابطات واعتبارها ميليشيات موازية تهدف إلى ترهيب المعارضين والمطالبة بحلّها بعد تورّطها في العنف، إلا أنّ الحكومة لم تحرّك ساكناً حتى الآن.
ويعتبر أغلب الحقوقيين والمبدعين وجود هذه الرابطات متناقضاً مع الانتقال الديموقراطي وانتخاب الشعب لمجلس وطني تأسيسي يعدّ هو الشرعية الأولى في البلاد... فإلى أين تمضي تونس التي رفعت قبل عامين شعار «لا خوف بعد اليوم»!