بعد مرور حوالى 15 عاماً على ولادة أوبريت «الحلم العربي»، يستعدّ أوبريت ثانٍ للظهور خلال الأيام القليلة المقبلة، ولكن هذه المرة سيخاطب سوريا بلداً وشعباً وتاريخاً. من المتوقع أن يحمل المشروع اسم «حلم سوريا»، ويغوص في المعاناة التي تمرّ بها الجارة اليوم. بعد «الحلم العربي» الذي امتلأ بالتباكي والنواح، توجّهت بوصلة الفنانين المصريين إلى معاناة الشعب السوري. هم يعتبرون أنّه يجب أن يقفوا ـــ بما استطاعوا ـــ إلى جانب الشعب ومأساته المستمرة منذ حوالى عامين ولو بعمل فني يضيء على معاناته.
في مقابل تلك الفكرة، التي لم تبصر النور بعد، لم يحضّر لغاية اليوم أيّ عمل فنيّ لبناني، كلفتة تجاه الشعب السوري بمختلف توجهاته. ولعل الفنانين اللبنانيين ارتأوا النأي بأنفسهم عما يحصل في سوريا، وخصوصاً بعد حملات «التكفير» التي واجهها بعضهم وعدد من الإعلاميين، أكان من قبل الأطراف الموالية للنظام السوري أم المعارضة له. لقد فضّلوا الصمت، وعدم طرح الموضوع لا من قريب ولا من بعيد ولو كان من الباب الإنساني البحت ريثما تنجلي الأمور.
جاءت فكرة «حلم سوريا» خلال جلسة عفوية جمعت المطربة المصرية ناديا مصطفى ومواطنها الملحن محمد ضياء والفنانين السوريين محمد يونس وأركان فؤاد، وبينما كانوا يتحدثون عن الأزمة التي ينوء تحتها السوريون بكل أطيافهم، اتفقوا على أن عليهم التعبير عن حبّهم لتلك البلاد بتقديم أوبريت. خرج ذلك العمل الغنائي من رحم «الحلم العربي» الذي صدر عام 1998. يومها ومن شدة تحمّس الفنانين له، نجح «الحلم العربي» في جمع الفنانين العرب الذين فرّقتهم السياسة ربما. وضمن هذه الرؤيا، يأتي الأوبريت الجديد. لكن لا يزال «حلم سوريا» في مرحلة الإعداد. ومن المتوقع أن تنطلق التحضيرات خلال الأسبوع المقبل على حد تعبير المطربة ناديا مصطفى. تتحدث الأخيرة عن العمل بشوق، وترجع السبب إلى «أن سوريا بلد طيب يستحق الحياة»، مشيرة إلى أنّها متزوجة بسوري. ورغم أنّ بعض التقارير تحدّثت عن أنّ الأوبريت سيحكي عن «معاناة الشعب السوري من ظلم بشار والاغتيالات والقتل والتشريد، ويدعو السوريين إلى الصمود والقتال حتى يتحقّق النصر»، إلا أنّ مصطفى تقول لـ«الأخبار» إنّ فكرة الأغنية وطنية بحت، ولن تتطرق إلى الإشكالات السياسية الحاصلة في الشام، أي أنّها لن تشير إلى «الثوار» أو الموالين للنظام، بل «ستتحدث عن سوريا الشعب الكريم والكلمة الطيبة والتاريخ العريق». وتلفت مصطفى إلى أنها عرضت العمل على عدد لا بأس به من الفنانين، وقد لقي الموافقة مباشرة من دون أي نقاش، «فالمشاركة فيه مجانية من دون أي مقابل مادي». وسيُخرج العمل المصري عادل عوض. ومن بين الفنانين الذين أبدوا موافقتهم المبدئية على المشاركة: هاني شاكر، سميرة سعيدة وآمال ماهر، إضافة الى أصحاب فكرة العمل. أما عن غياب الفنانين اللبنانيين عن «حلم سوريا»، فتجيب ناديا مصطفى بأنّ المشروع لم يعرض في الأساس على أيّ واحد منهم، لكنها تستغل إطلالتها هذه، وتناشد اللبنانيين المشاركة في العمل ليكون «عربياً يليق بسوريا الجارة». كتب العمل الجديد شاعر مصري مبتدئ (لم تكشف مصطفى عن اسمه)، على أن يشرف على تلحينه محمد ضياء الذي تعامل مع كبار الفنانين. ويلفت الملحّن المصري لـ«الأخبار» إلى أنّه سمع كلمات الأوبريت منذ شهر تقريباً وأعجب بها، على أن يبدأ تلحينها خلال الأيام القليلة المقبلة. ليس جديداً على الملحن أن يضع الخطوط العريضة لعمل غنائي يصف جروح بلد معين. فقد سبق أن أشرف أخيراً على أوبريت تحدّث عن مصر. يقول ضياء إن العمل الغنائي «هو أقل حاجة ممكن أن نقدّمها لأي بلد يحتاج إلينا كفنانين». لكنّه يختلف عن رأي شريكته في المشروع ناديا مصطفى. يعتبر أنّ هناك فارقاً طفيفاً بين «الحلم العربي» والحلم الجديد، فـ«الأول لم يولد من حدث معين، بينما الحلم الثاني وليد معاناة حقيقية تمرّ بها سوريا». ويشبّه ضياء العمل الجديد بأنه نداء مهم ينبغي لكل الفنانين المصريين المشاركة فيه لأنه واجب. «فالفن يعبر عن حالة معينة، سواء كانت فرحاً أو حزناً». في المحصلة، لا يزال الحلم السوري ـــ وليس المقصود هنا الأوبريت بل الحلم بسوريا السلام ـــ أمل الجميع. وفي انتظار تحقّق هذه الأمنية، فإنّ الوضع السوري الذي يستقطب الأنظار ويحتل الواجهة منذ عامين، صار «مغرياً» للكثير من الفنانين والإعلاميين!



وين الضمير العربي

«الضمير العربي» أوبريت غنائي وأغنية مصورة وألبوم حشد أكثر من مئة فنان وفنانة عرب من نجوم وممثلين وغيرهم. وقد بثَّ للمرة الأولى يوم 27 شباط (فبراير) عام 2008، ويعتبر الجزء الثاني من أوبريت «الحلم العربي». عرف العمل الأخير شهرة واسعة في أيلول (سبتمبر) 2000 عقب انتفاضة الأقصى الثانية، وقد أنتجه أحمد العريان وأخرجه طارق العريان . إذاً، لو ولد «حلم سوريا» الجديد فسيكون الأوبريت الثالث الذي يحاكي معاناة شعب عربي، فهل تكتمل الصورة فيه بمشاركة الفنانين العرب كلّهم، أم أنّ السياسة ستشتّت الأحباب وخصوصاً لو جاءت كلمات العمل مناصرة لطرف دون آخر؟