دمشق | تصريح المخرج المصري داود عبد السيد (1946) الأخير مثير للاهتمام بالفعل. أثناء المؤتمر الصحافي لفيلمه الجديد «قدرات غير عادية» في «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بدورته الـ 11 (يستمرّ حتى 17 ديسمبر) انتفض السينمائي في وجه مراسل «روتانا»، واصفاً طريقة تعامل الفضائية مع فيلمه «رسائل البحر» (2010) بالـ «همجية» لدى قيامها بعرضه على شاشاتها. عبد السيد المعروف بهدوئه واسترخائه، كان حادّاً مباشراً، بل نارياً.
استعمل عبارات مثل «تشويه وحذف بشع» في وصف أسلوب الشبكة السعودية. موقع «الوطن نيوز» نقل عنه عبارة أشدّ ضراوة «أنتم في «روتانا» الذين أفسدتم ذوق الناس، وأعدتموهم سنوات إلى الوراء، عندما حرّمتم القُبلة، ومنعتم ارتداء «المايوه» في الأفلام». أحد كبار سينما المؤلّف العرب ليس مضطراً للاستعراض أو المبالغة. الرقيب التلفزيوني (الموظف) انتهك فيلمه عن عمد أو جهل مستفز. «اغتصاب حيواني» بكل معنى الكلمة. هذه نقطة في محيط شاسع من المآسي والمساخر العربية. لننظر إلى النسخة التي تعرضها الشبكة نفسها (روتانا) هذه الأيام لفيلم «عصافير النيل» (2010 - إخراج وسيناريو مجدي أحمد علي عن رواية إبراهيم أصلان).
هل هذه هي العلاقة الملتهبة بين عبد الرحيم (الممثل المصري فتحي عبد الوهاب) وبسيمة (عبير صبري)؟ هل هذا هو شبقه الجارف تجاه النساء؟ الحذف أدّى إلى تسطيح البطل وتسخيف سنوات عمره، ما يعني مسخ الدراما.
«جرأة المشاهد» ليست المحظور الوحيد في قائمة معظم القنوات العربية.
اعتبر أن «روتانا» «أفسدت ذوق الناس وأعادتهم إلى الوراء»



قد يكون دينياً كما في فيلم «بحبّ السيما» (2004 – إخراج أسامة فوزي وسيناريو هاني فوزي) و»الإرهابي» (1994 – إخراج نادر جلال وسيناريو لينين الرملي) وحتى كوميديا «السفارة في العمارة» (2005 – إخراج عمرو عرفة وسيناريو يوسف معاطي)، أو سياسياً كما في كثير من أفلام مراكز القوى التي أنتجت بعد تولي أنور السادات الحكم في مصر، وفتحت النار ضد القمع الأمني زمن جمال عبد الناصر.
قبل خمس سنوات، رفع خالد يوسف دعوى قضائية ضد شبكة Art بسبب حذف مشاهد من فيلمه «الريس عمر حرب» (2008) ما أدّى إلى «تشويه الفيلم والإخلال برسالته» وفق يوسف. السينمائي المصري كان قد تحدّث عن «حركة وهابية تسعى إلى القضاء على الأفكار المستنيرة، وبدأت الآن توجّهها من خلال الحذف والتشويه، وستستمر حتى تصل إلى منع الأفكار المستنيرة بشكل عام». النزاع انتهى بتسوية واتفاق على عرض نسخة محدّدة من الشريط، تحت إشراف المخرج على المحذوفات فيها. هكذا، باتت القنوات تشترط سلفاً أن يكون الفيلم متوافقاً مع سياستها حتى توافق على شراء حقوق عرضه. إنّه الترهيب والضرب تحت الحزام في كارثة تلفزيونية تسمّى «إعادة تدوير الأفلام». المنتجون مضطرون للرضوخ في معظم الأحيان من أجل البيع والاستمرار في الإنتاج. معظم الفضائيات العربية لم تفكر في حلول. هي «الأخ الأكبر» في كل بيت. لم تلجأ إلى التقييمات العائلية للأفلام قبل عرضها (PG: ينصح بمرافقة الأهل: بعض المواد قد لا تكون مناسبة للأطفال، +18 لمن هم فوق هذا السن وما إلى ذلك).
إنّها، ببساطة وصيّة على مئات الملايين من العقول. المبدع العربي محاصر بالأفخاخ من كل جانب. ساطور الفضائيات الذي يشوّه بلا رحمة. الحال المزرية للحريّات في هذه المنطقة البائسة من العالم. الرقابة المجتمعية التي قد تكون أشدّ فتكاً وضراوة. سهولة التكفير والمضايقات التي تحيل الحياة جحيماً. إذاً، لماذا انتفض داود عبد السيد؟ لقد شعر بفظاعة المجزرة التي تنتقل بانسياب مدهش من الأرض إلى الفضاء.