لم يكن مستغرباً البتة أن تتعاطى وسائل الإعلام الأميركية المهيمنة (أو الـ Mainstream) بانحياز في قضية منع القضاء الأميركي محاكمة الشرطي دارين ويلسون إثر قتله الشاب الأسود مايكل براون في مدينة فيرغسون (ميسوري)، ثم منع المحاكمة أيضاً عن شرطي في نيويورك هو دانيال بانتاليو الذي قتل خنقاً شاباً أسود آخر هو اريك غارنر.
وكانت قناة «سي. أن. أن.» السباقة في نيل الحصة الأكبر من التغطية الإعلامية للحدث. رغم محاولات تقديم نفسها كـ»عادلةً» و»منصفة»، إلا أنّها وقعت في انحياز سافر. نشرت مقالاً على موقعها الإلكتروني جاء فيه أنَّ «خنق» الشرطي بانتاليو لغارنر كان ضرورياً «إذ يجب على الشرطة في لحظةٍ ما أن تلمس المجرم كي تقبض عليه». وهنا تأتي لعبة الإعلام في تمييع كل شيء. المقال يوضح أنَّ ما حدث كان خطأً، لكنه يبرر ــ وبشدة ــ لرجال الشرطة ما فعلوه، ويمرّر للقارئ بأنّ غارنر كان يقاومهم وما حدث له لم يكن «عنصرية»، بل كان مصادفة لا أكثر ولا أقل! وكانت القناة قد نشرت فيديو (مع توقيت دقيق) لحادثة إلقاء الشرطة القبض على غارنر. لكن لمن يشاهده، فالفيديو لا يظهر لحظات القبض على غارنر بل ما بعدها، أي حين سقط غارنر على الأرض. ويبدو أحد رجال الشرطة «المصدومين بما حدث»، يبعد المصورين بحجة أن «يعطوا» الرجل مساحةً للتنفس. ويبدو سلوك المؤسسة الإعلامية في نشر فيديو جديد (مقابل الفيديو الأصلي للحظة القبض على غارنر الذي لا تعرضه كثيراً) «احترافياً» في إخفاء الأمر و»التعتيم» عليه. هي فعلياً تظهر فيديو «واقعياً» و»حقيقياً» لما حدث، لكن بعد لحظة «العنصرية الوحشية» والاعتداء على غارنر، ما أدى إلى وفاته. على الجانب الآخر، استضافت القناة النائب الجمهوري بيتر كينغ الذي شكر هيئة المحلفين (في تغريدة على تويتر) التي لم تجرّم فعل الشرطي القاتل، معتبرةً أنه فعلٌ «ضروري» وأن غارنر هو من وضع نفسه في هذا الموقف. وخلال المقابلة على الـ«سي. أن. أن.»، أوضح كينغ أنه يستحيل أن يعرف الشرطي حالة غارنر الصحية (مصاب بالربو)، وأنه فعل الصواب بالقبض عليه، وأن ما حدث كان «مصادفةً»! على القناة نفسها، ألقى النائب راند بول اللوم في ما حدث على «الضرائب» المرتفعة على «السجائر» وأنه لولا تلك الضرائب، لما اشترى الناس السجائر من الضحية (في إشارة إلى أنه قُبض على غارنر وهو يبيع سجائر مهربة). وكانت كل هذه التصريحات «الغريبة» عرضةً للسخرية من قبل المقدم الساخر جون ستيوارت ضمن برنامجه على قناة «كوميدي سنترال»، إذ أشار إلى أنَّه «تتم الإشارة إلى كل الأسباب غير تلك الحقيقية وراء ما حدث».
بدورها، عنونت «أن. بي. سي.» أحد تقاريرها «رجل شرطة يصاب إثر مواجهات اندلعت في بيركلي» احتجاجاً على عدم محاكمة الشريط دانيال بانتاليو. جاء العنوان صادماً بعض الشيء،
سخر جون ستيوارت من
تعاطي القنوات مع الحادثة


لتعود وتقرر استعمال لغةً أقل «محاباة» لاحقاً. في تقريرٍ آخر، حاولت الإبقاء عليه «حيادياً» فعنونته: «المعترضون على قرار المحلفين يتظاهرون لليوم الخامس على التوالي». تحدثت القناة عن تظاهراتٍ واحتجاجات في مناطق متعددة كسياتل وشيكاغو، وهوليوود، ودورهام. وأشارت إلى أن مواجهاتٍ عنيفة اندلعت بين المتظاهرين ورجال الشرطة، لكنها لم تنس أن تضع السم في الدسم، فأشارت إلى أنَّ «رجال شرطة عدة» تعرضوا للضرب وهم يرقدون في المستشفى الآن، متجاهلةً تماماً أسئلة مثل: هل هناك مصابون بين المشاركين في هذه التظاهرات؟ ما هي الوسائل التي استخدمها رجال الشرطة للسيطرة على هذه الحشود المتظاهرة؟ ورغم أن التقرير بحد ذاته لا يظهر إلا عنفاً من رجال الشرطة على المتظاهرين، فإن لغة الخطاب كانت واضحةً: المتظاهرون هم المعتدون على رجال الشرطة.
في الإطار عينه، كانت «فوكس» الأميركية سباقةً في كل شيء: بعد إعلان خبر أنّ هيئة المحلفين برأت رجل الشرطة الذي قتل غارنر، قالت المقدّمة غريتشن كارلسون إنها تتمنى عدم حدوث أي «تظاهرات» أو ما شابه يعكر صفو «إضاءة» شجرة الميلاد. وسواء أكان كلام كارلسون مقصوداً أم عفوياً، فقد بدا شديد «العنصرية» والسطحية معاً. وفي الإطار عينه، استضافت القناة جميع من تستطيع استضافته لإثبات بأنَّ ما حدث أثناء العراك بين رجال الشرطة وغارنر كان «قانونياً» مئة في المئة. هكذا، استضافت رودي جولياني (الحاكم السابق لولاية نيويورك) الذي أشار إلى أنَّ ما لا يعرفه كثيرٌ من الناس بأن هذا الرجل (أي غارنر) «ضخم» الجثة، ما صعّب المهمة على رجال الشرطة. بدوره، أصر شون هانيتي (مقدم برامج وأحد المعلّقين السياسيين المحافظين المعروفين) على أنَّ رجال الشرطة لم يقوموا «بخنق» غارنر نهائياً. وتأتي هذه المحاولات ـــ وفق جيب لوند في جريدة «غارديان» البريطانية ــ بهدف «ذر الرماد» في العيون ومحاولة «إخفاء الحقيقة وطمسها». من جهةٍ أخرى، أوردت مجلة Front page Magazine الإلكترونية التي يصدرها أحد أهم «المحافظين» الجدد دايفيد هورويتس مقالاً بعنوان: «11 حقيقةً لن تخبرك وسائل الإعلام عنها»، محاولةً تجريم غارنر والتأكيد بأنه هو «الملام» في الأحداث التي أدت إلى قتله؛ مؤكدةً أنَّ غارنر مثبت عليه «الاعتداء» والتصدي لرجال الشرطة في أكثر من حادثة سابقة، وبأنّه لم يكن شخصاً بريئاً أبداً!







http://edition.cnn.com/2014/12/04/us/eric-garner-chokehold-debate/

http://edition.cnn.com/2014/12/04/us/garner-video/index.html?iid=article_sidebar


http://www.salon.com/2014/12/05/jon_stewart_tears_apart_rand_paul_and_fox_news_response_to_eric_garner_decision/

http://www.nbcnews.com/news/us-news/cops-injured-berkeley-protests-over-eric-garner-death-turn-violent-n263216

http://www.nbcnews.com/news/us-news/i-cant-breathe-garner-decision-protests-hit-fifth-day-n263476


http://www.theguardian.com/commentisfree/2014/dec/04/eric-garner-mike-brown-fox-news-megyn-kelly


http://www.frontpagemag.com/2014/jim-meyers/11-facts-about-the-eric-garner-case-the-media-wont-tell-you/




كذبت «سي. أن. أن.»

«كذبت «سي. أن. أن.» وروت الحكاية كما تريد لا كما حدثت. لقد شاهدت ما حدث، لكن القناة روتها كما أرادت هي» هكذا وعلى شاشتها، انطلق مغني الراب الأميركي والناشط الشهير طالب كويلي بنقاشه الحاد مع مراسل القناة دون ليمون (الأسمر البشرة هو الآخر). تصريح كويلي كان خلال حضوره إلى فيرغسون (ميسوري) للتضامن مع التظاهرات التي كانت ولا تزال مستمرة كردة فعل على مقتل الشاب مايكل براون. وحاول المراسل دون ليمون مقاطعة كويلي أكثر من مرة، ما زاد غضب «الرابر» وإصراره على قول ما يريد قوله. دافع ليمون عن القناة، مصرّاً على أنّها غطت الأحداث بكل «شفافية» ووضوح، إلا أنَّ كويلي زاد من حدة كلامه، مؤكداً أن هناك أكثر من مقالة وفيديو على موقع القناة المتحيزة تماماً بخلاف الحقيقة.