يختصر وثائقي «عرفات» للمخرج جاد أبي خليل، والنص لسحر بعاصيري مسيرة قائد الشعب الفلسطيني ووالده بحسب كثيرين: محمد القدوة المعروف بياسر عرفات أو أبو عمّار. كثيرون لم يكونوا يندهون الرجل إلا بالتعبير المحبب على قلوبهم: «الختيار». الفيلم الذي عرض قبل أيام في «مسرح المدينة»، قارب حياة الرئيس الفلسطيني الراحل منذ ولادته حتى استشهاده في باريس، ويطلق تعليقاً رئيسياً على لسان ناصر القدوة (رئيس منظمة ياسر عرفات الخيرية وابن شقيقة الراحل) بأن الطب الشرعي الفرنسي كانت شهادته واضحة: ليس هناك من سبب منطقي للوفاة. إذاً، الرئيس قد قتل.
ويمهد لذلك قبلها بالإشارة إلى أنَّ الصهاينة والأميركيين (شارون وجورج بوش معاً) كانا واضحين بأنَّه يجب التخلّص من الرجل.
لكن قبل الولوج إلى ذلك العمق، مرّ الوثائقي بمراحل كثيرةٍ من حياة «الختيار» المليئة بالصخب. إنه رجلٌ أكثر من عادي واستثنائي.

بعض الرجال يرسمون بحياتهم ملامح أمةٍ وشعب: كان أبو عمار من هذا النوع. كل من عرفه كان يجزم بشخصيته الاستثنائية وقدرته المدهشة على التأقلم مع أي ظرف.
لذلك، كان طبيعياً أن ما يظهره الفيلم جزءاً من تلك الحياة المفعمة بكل شيء: من الولادة في فلسطين إلى دراسة الهندسة في القاهرة، إلى العمل في الكويت، وصولاً إلى معركة الكرامة الشهيرة (1968) التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية للمرة الأولى على العدو الصهيوني.
كلها محطاتٌ مرت سريعة عجلةً في الفيلم، ربما للوصول إلى الخاتمة المدهشة: رحيل الرجل الأهم، الأب الكبير للشعب الفلسطيني. وحدهما حنان عشراوي (احدى المفاوضات الفلسطينيات مع العدو الصهيوني)، وليلى شهيد (سفيرة فلسطين في فرنسا) كانتا نجمتين في الفيلم، وخفيفتين درامياً وخبرياً.
حنان عشراوي
وليلى شهيد أظهرتا جانباً شخصياً منه

كانتا تظهران جانباً خاصاً وشخصياً للرجل لم يظهره الشريط على امتداده. حتى من تحدث قبلهما، تعامل مع الحديث عن الرجل كما لو أنه «رمز» أكثر من كونه «صديقاً رفيقاً/ مقاوماً» وسواها من الصفات البشرية للراحل.
عشراوي كانت الوحيدة التي وجهت انتقاداً مباشراً في الفيلم.
منذ البداية، عابت الدراما الزائفة الفيلم كثيراً. إضافة ممثل ليؤدي دوراً لشخصٍ يروي الحكاية (الممثل شريف بيبي) بدا مفتعلاً أكثر من اللازم.
مع أن شريف بذل جهداً ملحوظاً، إلا أنّ الإضافة بحد ذاتها بدت «زائدةً»، فلم نفهم ما هي أهميتها؟
ما هي حكمة وجودها؟ ولماذا لم تُدمج في البنيان والسياق الدرامي للأحداث في الفيلم؟ في المعتاد، يستعمل هذا النوع من
الـ Dramatization في محاولة لإعادة تمثيل أحداث معيّنة، أو مثلاً ـ كما في الفيلم- لخلق بعد جديد لقصة «البطل» المحكية. هنا لم تبدُ الشخصية واضحة، كما لم يبد أي إيضاح لِمَ هذه الشخصية موجودة أصلاً.
ما عاب الفيلم أيضاً (ربما عاب النسخة المعروضة فقط، فنسخة العرض مجزوءة بساعة ونصف بينما نسخة الفيلم الأصلي 4 ساعات)، أنّه غابت تفاصيل كثيرة في وجود أبو عمّار في لبنان مثلاً. غابت علاقاته المتشعّبة مع الداخل اللبناني مثلاً، وأحداث أيلول الأسود وكثافتها ومضامينها.
في الوقت عينه، غابت علاقة الرجل مع باقي أعضاء منظمة التحرير ومع «حماس» في ما بعد.
لم يتم التركيز على هذه الأمور كما لو أنّها لم تكن أصلاً ولم تؤثّر في الرجل البتة. فقط، تمت الإشارة إلى «حماس» عبر عملياتٍ قامت بها حتى ليبدو أن الحركة أجرتها لتنغص حياة «الختيار» السياسية لا لتكملة مشروعها السياسي الخاص.
غابت تفاصيل كثيرة حتى بدت شخصية أبو عمّار «مسطحة» في الفيلم، وغاب البعد الإنساني في فيلمٍ يقال إنّه «وثائقي».
رغم كل هذه المآخذ، يبقى الفيلم حصيلة جهد كبير، والإضاءة على حياة الراحل أمرٌ مطلوب وأساسي، لأنه لا يزال حاضراً بقوة في الوجدان كما على الساحة الفلسطينية الحالية.