«فكرة أصبحت مكتبة... وذكرى أصبحت كتاباً» هكذا يمكن اختصار مسار ناهز عمره اليوم 150 عاماً: «دار صادر» تحتفل اليوم بيوبيلها في «بيال» (Pavillon Royal) وتطلق مجلّدها «في بيروت... ومضت فكرة» برعاية وزارة الثقافة اللبناني ريمون عريجي. مجلّد ضخم يؤرخ لحقبات نشأة وتطور الدار وانتقالها من الآباء الى الأبناء ومن ثم الأحفاد. فصول أربعة تتوالى أمام مرأى القارىء ليبحر في أهم حقبة عرفها لبنان الثقافي والحضاري. يتعرّف إلى أبرز روّاد النهضة الثقافية، خصوصاً شعراء وأدباء المهجر (رشيد أيوب، أمين نخلة، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إيليا أبو ماضي، كرم ملحم كرم، الياس أبو شبكة، توفيق يوسف عواد وبطرس البستاني وكرم البستاني وأمين الريحاني) الذين أسهمت «دار صادر» في إصدار أعمالهم وتخليدها بغية نشر المعرفة والثقافة.
المجلد الأنيق غني بالصور النادرة لعائلة صادر وبيروت القديمة، ومختلف أسواقها. يحط بالقارئ بداية في عام 1863 أي سنة تأسيس الدار في زمن يضج بالاضطرابات والسوق الضيقة للكتاب. هذا الإرث تعاقبت عليه 4 أجيال. يسرد الأحفاد (سليم وإبراهيم ونبيل صادر) في الكتاب كيف أن «التركة كانت ثقيلة»، واختلفت التجربتان والعصران واختبرا مشقة هذه المهمة. الفصل الأول يحكي النشأة والأجواء التي رافقت ولادة «دار صادر» على ألسنة شخصيات عاصرت ابراهيم صادر المؤسس. تبدأ الحكاية في القرن التاسع عشر عندما أصبحت بيروت مركز اللجوء بعد الاضطرابات الأمنية في عهد نابليون بونابرت ومحمد علي باشا وبني وقتها «أنطش مار الياس» في وسط بيروت. تحوّل الى مكان لاستضافة العائلات الوافدة طلباً للعمل والإيواء.
مجلد أنيق غني بالصور
النادرة لبيروت القديمة


وفي هذا الوقت، ظهر المؤسس صادر كضيف على هذا «الأنطش» وبائع للمسابح الدينية بداية، ليعود ويتحول مع تطور الحياة الثقافية وانتشار الإرساليات والمدارس الى مؤسس لمطبعة صغيرة وضعها في أقبية الدير. كانت المطبعة تطبع كتب الصلاة الصغيرة في البدء. وعندما ذاع صيته، انتقل الى السوق الأوسع (أبي نصر) وبنى مطبعته الخاصة «المكتبة العمومية»، وبدأ النشاط في حقل النشر.
أعادت الدار إصدار كتاب «بحث المطالب» للعلامة المطران جرمانوس فرحات الذي يعدّ أوائل الكتب التي تتناول الصرف والنحو منهجياً. ويعود الفضل لهذا الكتاب في إطلاق شهرة صادر ومكتبته. وفي عام 1907، نقل المؤسس تركته الى ولديه سليم ويوسف، فتسلم كل منهما جزءاً من المهمة: يوسف اهتم بـ «المطبعة العلمية» وسليم بـ «المكتبة العمومية». وفي عام 1924، انتقل الإرث الى نجل سليم أنطون الذي كان لا يزال فتياً (20 سنة) وكانت فترة تسلمه مضيئة. شهدت تلك الفترة الفورة الثقافية في مختلف الأوساط الفكرية اللبنانية وغدت مكتبة أنطون ملتقى لكبار الشعراء والأدباء. كما شهدت هذه الحقبة أغنى نتاج الأدب الحديث وترجمات التراث العالمي والسير الذاتية.
لا يبخل علينا الكتاب/ المجلّد بعرض لأجمل هذه النتاجات والأعمال الخالدة إن كانت لأدباء لبنانيين في الداخل أو المنتشرين في أصقاع العالم ممن أنشأوا روابط فكرية وأدبية في البلاد الذين وجدوا فيها. هذا الإرث الأدبي اللبناني ستضاف اليه فسحة من التبادل الثقافي العربي الألماني عبر ترجمة بعض الكتب الألمانية المتنوعة الى العربية بما تدّره من إغناء وتوطيد للعلاقة بين البلدين. وفي الفصلين الأخيرين، فسحة لشهادات من الأصدقاء وأهل الثقافة.

إصدار كتاب «في بيروت.. ومضت فكرة» ضمن احتفال «دار صادر» بيوبيلها المئة والخمسين: 18:00 مساء اليوم ــ Pavillon Royal (بيال)