صنعاء | يقع منزل رضوى عاشور في مساحة موازية لشارع هدى شعراوي في منطقة وسط البلد في القاهرة، يفصل بينهما معبر قصير. نسترجع هذا المعبر ونحن نقرأ الجملة التي كتبها الشاعر مريد البرغوثي في عمله «ولدتُ هناك، ولدتُ هنا» (2009)، مشيراً إلى أن «هذا هو المعبر إلى فلسطين». كأنه يصف بشكل افتتاحي تلك المساحة التي يقيم فيها مع زوجته رضوى التي سارت حياتها على خطى شخصية شعراوي النضالية التي تأثرت بها. مسألة يصعب فصلها عن سياق الحياة التي كانت لصاحبة «ثلاثية غرناطة» وقد دفعت أثماناً باهظة من أجل تحقق اكتمالها على الصورة التي أرادت.
لكن باستعادة أخرى، سيبدو شكل ذلك «المعبر» أطول مما هو عليه فعلاً ليصل إلى حدود فلسطين. لا يبدو «ولدتُ هناك، ولدتُ هنا» منفصلاً عن عمل البرغوثي السردي الأول «رأيت رام الله» (2007) السيرة الذاتية التي قام بتقسيمها بينه وبين رضوى التي حملت أكثر من نصف حياته وألمه وآماله وامتزجت بها، هو ختم الكتاب بكلمة «انتهى». لكنّ يبدو أنه رأى لاحقاً أنّه لم يقل كل ما يريد عن صاحبة «أثقل من رضوى»، فذهب إلى كتابة جزء ثان منه، مضيفاً إليه ثالثهما تميم بعد ولادته، لتنتقل الحكاية من سيرة مقسومة على شخصين إلى سيرة للعائلة.
وعلى هذا، تبدو رضوى ظاهرة على امتداد تفاصيل الكتابين، في مرحلة التمهيد لتخطي ذلك المعبر وتالياً في مرحلة ما بعد تجاوزه. هي لن تكون مع رفيقها الفلسطيني في مروره الأول عندما نجح في رؤية رام الله بعد 30 سنة من الغياب. كما ولن تكون في مروره الثاني ويكون ذلك فقط برفقة تميم وقد صار شاباً. في المناسبتين، تبقى أستاذة الأدب الإنكليزي في القاهرة، ولن ترى رام الله أو فلسطين كلّها: «لن تقف رضوى أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة لطلب تأشيرة أبداً». لقد قررت وانتهى الأمر.
لكن مريد سيعمل على إدخال رفيقة عمره إلى أهله في فلسطين عن طريق الحكي عنها «أردتها أن تدخل بيوتهم» من دون تلك التأشيرة. وفوق هذا،
ادخلها مريد إلى فلسطين عن طريق الحكي عنها

سيحكي لهم معترفاً بأنه ليس من أدخل فلسطين إلى قلب تميم وعقله: «اعلموا أنّ أمه المصرية رضوى عاشور هي التي صانت فلسطينيته ورعتها بحبها هي لفلسطين». يضع صاحب «عندما نلتقي» في الكتابين فقرات تظهر على شكل تأنيب حول القسوة التي ارتكبها بحق رضوى بزواجها منه ومقاومتها لرفض أهلها اقتران ابنتهم بشاب بلا أرض ولا خطة واضحة. هي التي «لم تفكر لحظة واحدة في العدول عن قرارها»، وستبقى وحدها مهتمة بتربية الصبي خلال تلك السنوات الطويلة التي كان فيها مريد ممنوعاً من دخول مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد. لكن يبدو أنها لم تكن تُعطي بالاً لكل هذه التساؤلات. كل تفكيرها تشكّل على هيئة قلق حول لحظة آتية حتماً بعد سنوات، وارتبطت كرهاب في عقلها من عدم تجاوز ذلك المعبر الذي يفصل الأب وابنه عن أرضهما. خلال كل هذا الوقت والطيران والسفر، يظهر مريد غارقاً في التفكير بشأنها في القاهرة «وهي تكتم القلق في الصدر لتتحمله مخفيّاً وغامضاً عن قصد، فيزداد لي وضوحاً». كأن رضوى قد فرّغت حياتها فقط من أجل إنجاز العبور وتمامه. وحين تظهر المهمّة وقد تحققت، يمسك تميم بسمّاعة الهاتف ليقول «ماما أنا في فلسطين». وحين يأتي دور مريد في الكلام يبدو حريصاً على قول جملة بعينها: «يا رضوى أريد أن أقول لكِ شكراً. رسالتك الفلسطينية وصلت».