في مناسبة يوم الفلسفة العالمي (21/11)، أقام «معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية» ندوةً في قصر الأونيسكو حملت عنوان «الأدب الفلسفي»، افتُتحت بتوطئة ألقاها مدير الندوة عدِي الموسوي، موضّحاً بما يشبه المدخلَ بدايات العلاقة بين الإنسان والفلسفة؛ وهي في الأصل تفكُّر الإنسان في عناصر الوجود التي استثارت نفسه للبحث لإنتاج المعرفة المُلحّة. وانطلاقاً من هنا، جاء «الأدب بأفكاره» ليتصدّى بأنواعه لهذه الإشكاليات ويطرحها في قوالب فنيّة. بدايةُ المحاضرات في الندوة كانت مع مداخلة للأكاديمي أحمد ماجد.
أكّد الأخير تلازمَ الوجود والفلسفة، وأضاف أنّ التجريد الفلسفي وما يحتويه من صعوبة كان سبباً في التوجّه إلى الأدب بسبب مرونته وتنوّعه. وأشار ماجد إلى أن استخدام الأدب كان لإخراج الفلسفة من خطابِ الخاص إلى العام. وعقّب بأنّه تكثر في التراث العربي الإسلامي النماذج التي توسّلت الأدب لإنتاج الفلسفة، ثم تطرّق إلى تجربة العلّامة السيد محمد رضا فضل الله كمثال على محاكاة الوجدان أدبياً.
ثاني المحاضرات كانت للأب جورج خوّام بعنوان «النفس بحسب غريغوريوس أسقف نيصيا: نشأتها، طبيعتها، وقرانها بالجسد». وقد بدأها بالتعريف برغريغوريوس وعصره، ثم انتقل إلى تعريفه للنفس من حيث مادّتها وتشكُّلها. وتكمنُ مفصلية تعريف غريغوريوس في أنه اختلف عمّا كان سائداً قبله من تفسيرات للنفس؛ إذ ينطلق من بديهية وجود النفس لا محاولة إثباتها. بعد ذلك عمدَ الأب خوّام إلى قراءة مقاطع لغريغوريوس والاستشهاد بها لتوضيح أفكاره. أما عن قِران النفس بالجسد عند غريغوريوس، فلا حياة للجسد من دون النفس، والجسم ليس للعدم بل تنتظره حياة بعد الموت. وآخر ما شدّد عليه المحاضر أنّ فكر غريغوريوس يغلب عليه الزهد، ويعتبر أدباً دينياً متعلّقاً بالفلسفة.
حاضر بعد ذلك الشاعر محمد علي شمس الدين تحت عنوان «بين الكشف والبرهان ونقيضه: ملاحظات في الشعر والفلسفة»، مفتتحاً بالحديث عن تميّز الفكر العربي بالصراعات والتباين في مفهوم الشعر عند دخول الإسلام. وقد اعتبرَ أنّ المتصوّفة بالتفاتهم إلى ظلال المعاني في حروف القرآن كرّسوا حالةً من التساؤل.
يحضر سقراط في
«نهج البلاغة» كما يحضر الحِجاج المنطقي الكلامي


فرّع شمس الدين محاضرته بين بدايات اللغة وجماليتها ونشوتها، وسأل عما إذا كانت للنص الفلسفي نشوة على غِرار ما للشعري؟ بعد ذلك، انتقل إلى تصنيف الاختلافات بين الفلسفي والعلمي والفني معتبراً أنّ الاختلاف حاصلٌ في الطريقة لا الغاية؛ إذ تعتمد الفلسفة القياس والمقارنة، بينما الشعر «يفترع حقيقته افتراعاً». ورأى الشاعر أنه لم يكن جدالٌ بين الشعر والفلسفة عربياً إلا مع مجيء القرآن وما استتبعه من إشكاليات. وفي الختام، استحضر نصّين لعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور دلالةً على ما يتضمنه الشعر من أفكار فلسفية.
نهاية الندوةِ كانت بمحاضرة «البعد الفلسفيّ – الإنسانيّ في أدب نهج البلاغة» للأكاديمي والباحث محمّد شيّا. أظهر الأخير في بحثه أفكاراً فلسفيّة تجد انعكاسها في «نهج البلاغة»؛ حيث الدعوة إلى العقل والحِكمة. يحضر سقراط في «نهج البلاغة»، كما يحضر الحِجاج المنطقي الكلامي؛ وذلك كلّه عبر مقابلات قام بها شيّا بين «نهج البلاغة» وإشارات إلى الأفكار الفلسفية. الخطبة الأولى من «نهج البلاغة» كانت محلّ شرح أيضاً؛ إذ نرى منطلقات الفلسفة وأسئلتها الأولى ماثلةً في الكتاب.