صمد مهرجان «بيروت ترنّم» سبع سنوات رغم سياسته التنظيمية التي اعتمدت الدعوة العامة لمن يرغب بحضور أمسياته. صمد طبعاً ببركة التمويل من جهات «ماكنة» مادياً، في حين أنّ هذه التجربة (مجانية الدخول) يجب أن تُعَمَّم وببركة الدولة. لكن لا بأس، لندع الأحلام جانباً ولنقبل بالواقع، ولنرَ الجانب الإيجابي من الأمور: الأموال تُستَخدَم للاستثمار، وأن تُستَثمر في الموسيقى أفضل من أن تُشرى بها الذمم مثلاً. من هذا المنطلق، وعطفاً على مناسبة هذا الحدث السنوي، يصبح «بيروت ترنّم» بمثابة عيدية غير مادية، تليق بميلاد يسوع الناصري الذي لم يحذِّر في تعاليمه أكثر ممّا حذَّر من المال والترف والغِنى وامتلاك ما هو أكبر من حاجتنا بدءاً من الخبز، وباقي متطلبات الحياة تحصيلٌ حاصل.
لكن العالم اليوم لا يطاق لشدّة تناقضاته. وعندما نقول تناقضات، يجب الاعتراف للبنان بإنجازاته في هذا المجال، بل إن الفارق بين «بيروت ترنّم» (ببعده من المادة، موسيقياً ودينياً) والمكان الذي يجرى فيه (وسط بيروت) لا تكفيه عبارة «تناقض» لوصفه. هذا سريالي. وإذا أضفنا «السكان الأصليين» لهذا المكان (التجار والزبائن) سنكون بحاجة إلى القديس أوغسطينوس لفك لغز المشهد التالي: موسيقى باخ، في كنيسة، لمناسبة ميلاد المسيح… على بعد مترين من محل ألبسة فيه حقيبة يد بـ «بِكلَة» على شكل صليب وبكذا ألف دولار.
لكن للإنسان قدرات خارقة على الانفصال عن محيطه، خصوصاً متى قرّر التركيز على الموسيقى. لهذا، على الجميع عدم تفويت الفرصة في حضور أمسيات هذا المهرجان الذي يتحسّن برنامجه بشكل لافت سنة تلو أخرى. هكذا، من أسماء الموسيقيين (محليين وأجانب) إلى المؤلفين والأعمال وتنوّع فئاتها، نحن اليوم أمام مهرجان محترم، مشغول بمهنية وإتقان (رغم صعوبة التنظيم اليومي للأمسيات!)، فريد من نوعه مقارنةً بالمهرجانات اللبنانية الأخرى (وحتى المهرجانات العربية)، إلا إذا استثنينا ”مهرجان البستان“. منذ دورته الأولى لغاية الدورة الحالية، بقي «بيروت ترنّم» أميناً للموسيقى الكلاسيكية، والخروج عن هذه الفئة يبقى ضمن دائرتها، والمقصود الأمسيات التي تحمل طابعاً دينياً شرقياً. ضمن الفئة الموسيقية هذه، تذهب الحصة الكبرى للأعمال الدينية المباشرة، بطبيعة الحال، وتحديداً تلك الخاصة بالميلاد. لكن هذا لا يمنع وجود محطات ثابتة من الموسيقى الكلاسيكية الآلاتية (عزف منفرد، موسيقى حجرة…).
ينطلق برنامج «بيروت ترنّم» الليلة ويختتم كالعادة في 23 كانون الأول (ديسمبر).
يشارك كزافيه دو ماتر عازف «الهارب» الأول في «أوركسترا فيينا الفلهارمونية»


الافتتاح سيكون مع عازف البيانو اللبناني المغترب عبد الرحمن الباشا الذي سبق أن أسهم في ليالي المهرجان. يعود الباشا إلى بيروت بعدما أنهى أخيراً تسجيلاً كاملاً ثانياً (!) لسوناتات بيتهوفن الـ32. هذا العمل الذي يُلقَّب بـ «العهد الجديد للبيانو» يُعتَبَر تسجيله مرة واحدة في حياة إنجازاً بالنسبة إلى أي عازف بيانو، فكيف بمرّتَين (على غرار العملاقَين فيلهلم كامبف وألفرد برندِل). تلي هذه الأمسية أخرى بعنوان «المتوسط المقدَّس» تحييها جوقة les Éléments الفرنسية بقيادة جويل سوهوبييت (2/12)، ثم عودة إلى اسم لبناني عالمي في العزف على الأرغن الكنسي، ناجي حكيم (3/12).
من الأسماء الملفتة التي تحيي أمسياتها في كاتدرائيات وكنائس وسط بيروت ومحيطه، عازف الـHarp الأول في «أوركسترا فيينا الفلهارمونية» كزافيه دو ماتر (4/12). كذلك يستضيف المهرجان عازفة الكمان الإيطالية فرنشيسكا ديغو (ضمّها أخيراً الناشر الألماني «دويتشيه غراموفون» إلى عائلته، وهذه شهادة بحدّ ذاتها) ترافقها على البيانو مواطنتها فرنشيسكا ليوناردي لأداء بيتهوفن، أي من سوناتات الكمان والبيانو الشهيرة طبعاً. ولمحبّي الإرث الغنائي الديني الشرقي أمسيتان مع عبير نعمة (11/12) وغادة شبير (18/12) المعروفتين باهتمامهما بهذا اللون الفني. في 15 كانون الأول، ريسيتال بيانو ثانٍ بعد الافتتاح مع الباشا، ويحمل توقيع الروسي فاديم خولودنكو.
يفرد «بيروت ترنّم» مساحةً في كل دوراته للجوقات المحلية التي تحيي الميلاد عادةً في القرى أو المدارس التابعة لها، فتقدّم ما عندها من ترانيم دينية وأغاني الميلاد بلغات عدة، بين الأرمنية والعربية والفرنسية والانكليزية… في الواقع نعتذر من جميع الأسماء المشاركة ونحيّيها، إذ يستحيل فعلاً حتى مجرّد تعدادها لكثرتها. هكذا ننتقل إلى الأمسية ما قبل الختامية (22/12) في المهرجان مع عمل ديني جميل من الريبرتوار الرومنطيقي، أي «القداس الاحتفالي الصغير» للإيطالي روسّيني، في إعداد للأوركسترا (بدلاً من آلتَي بيانو وهارمونيوم في النسخة الأساسية)، يشارك فيه مغنّون منفردون من إيطاليا ولبنان بالإضافة إلى جوقتي «الجامعة الأنطونية» و«جامعة سيدة اللويزة» وأوركسترا مهرجان «بيروت ترنِّم» بقيادة ستيفانو روماني. وفي الختام أمسية مع Ensemble Correspondances، الفرقة الفرنسية التي يقودها سيباستيان دوسيه.

* «بيروت ترنّم»: بدءاً من الليلة حتى 23 كانون الأول (ديسمبر)ـ وسط بيروت ــ للاستعلام: beirutchants.com ـــ
01-999666