بيت لحم | تحتضن مدينة فيتري سور سين (جنوب باريس) معرض مسابقة «نوفمبر في فيتري 2014» الذي تشرف عليه البلدية سنوياً ويختتم في منتصف كانون الأول (ديسمبر) باختيار العمل الفائز. شادي الزقزوق (1981) يشارك في المعرض الذي يضمّ 48 فناناً، حيث يقدم مشروعه «نداء باريس» (الصورة). الفنان الفلسطيني المولود في ليبيا والمقيم في فرنسا، قدم سابقاً مشروعاً يشكّك في الثورات العربية بعدما حرفتها لعبة الأمم عن وجهتها، وما آلت إليه من مفاجآت وتناقضات تشبه في بعض حالاتها «الهامبورغر». يومها، قدم «ارحل» الذي صوّر سروال الحاكم الداخلي، خالطاً بين السخرية والهزلية، كما رسم صاحبة «السوتيانة الزرقاء» الشهيرة التي يجرجرها الأمن المصري في ميدان التحرير (الأخبار 23/3/2012). هذه اللوحة بالذات سببت إشكالية في «آرت دبي»، ما أدى إلى سحبها من المعرض. أما «نداء باريس»، فيفتح النقاش على إشكالية العربي المسلم الذي يعيش في أوروبا، ممزقاً بين التأقلم أو الانعزال.
يستخدم الفنان أسلوب «البانك مسلم» كرمز لربط العناصر المتنافرة في العمل: التحرر المطلق مع التقوقع، التمرد مع المحافظة على التعاليم الدينية، العالم مع «البانك» الرافضين للخضوع وللنظام. علماً أنّ حركة البانك ظهرت في منتصف السبعينيات في أميركا. وفي الفترة الأخيرة، ظهرت مجموعة كبيرة في إندونيسيا تجمع بين الإسلام كعقيدة، والبانك كشكل، ومنها أخذ الفنان اهتمامه بتقديم هذا النموذج.
في «نداء باريس»، عمل الزقزوق على ربط عناصره المشتركة كـ»البانك» والمسلمين والهنود الحمر، فجمع خطاب الممنوع مقدماً خلطاً جديداً يتجاوز الإعلام والأفكار المغلوطة. جمع الفنان هذه الرؤية في أسرته: الابن الفلسطيني المسلم العربي الذي أسماه جوزيف، وزوجته الفرنسية المعتنقة للإسلام ليلى. هذا التجانس المتضاد أصبح نموذجاً في العائلة نفسها. هكذا، قدم الزقزوق لوحة معاصرة مرسومة بواقعية مفرطة لامرأة أوروبية محجبة تصلي في الشارع رغم القوانين الصارمة إزاء ممارسة الشعائر الدينية في الساحات العامة، بل تجاوز ذلك بوضعها في مواجهة قوس النصر الفرنسي الذي يشكل معلماً فرنسياً مهماً من الناحية التاريخية والسياحية والسياسية والدينية. وبدل السجادة الصوفية، تفترش هذه المرأة مساحة من الطين (الأرض الخصبة)، رمزية الطهارة والقدسية. وهي تتجاوز أيضاً قانون المدينة التي ترفض اتساخها بالتربة والطين، كرفض لمبدأ المدنية التي قامت على ثقافة تدمير الأرياف. كما رسم الزقزوق مجموعة أرانب وما تحمله من رمزية في التكاثر والخوف معاً. وفي العمل نفسه، يعيد رسم غرافيتي للفنان البريطاني بانكسي على قوس النصر الذي يعد مكاناً مهماً يمنع الرسم عليه. تضاد بصري يحمل استفزازاً داخلياً للمشاهد والقانون.
شادي الزقزوق قدم أساليب مختلفة في مشواره، تطورت بشكل ملحوظ. يمارس أسلوب المدرسة الواقعية الجديدة ضمن إطار مفاهيمي، يمزج بين الواقعية والسيريالية في بعض أعماله، ويحتاج كل عمل بين ستة أشهر إلى سنة لتنفيذه. وهو يسير عكس التيار السائد الآن لدى كثيرين في المنطقة العربية.