في معرضه الجديد Maraud›Art في «غاليري جانين ربيز»، يلعب إيلي بورجيلي أكثر مما يرسم. اللعب ينطوي على الرسم طبعاً، لكنه مخلوط مع أفكار وممارسات متعددة، بعضها يظل نظرياً لا يذوب بالكامل في نسيج اللوحة أو مبدأ تأليفها. ما هو نظري يسبق التأليف، ويصاحبه أيضاً، وتبقى منه تفاصيل وإيحاءات تخاطب زائر المعرض من محيط اللوحات وخارجها القريب. ولأن المعرض كله مدينٌ لفكرة اللعب، فإن اللوحات الـ 19 تبدو مثل لوحة واحدة أو سلسلة لوحات تشتغل في خدمة المشروع الواحد.
وهذا المشروع قائم على نوع من الكولاج المنفّذ على خلفية منفذة بدورها بروحية الكولاج. وهذا لا يعني استخدام وسائط مختلفة في تأليف اللوحة فقط، بل يعني أيضاً إدخال عناصر ومواد صلبة كالحجارة والخشب والقش والشرطة اللاصقة، وحتى استعمال الدمى والألعاب البلاستيكية الصغيرة التي يلهو بها الأطفال. هناك توزيع للمساحات في أغلب اللوحات التي تحظى بإطار نافر يجعل اللوحة نفسها تبدو كأنها مُسقَطة فيه، وتشبه في ذلك فنون الأيقونات المنزلية، حيث تصبح اللوحة وأغراضها أشبه بخزانة حائط مفتوحة أو ماكيت لحياة منزلية متخيلة مكشوفة للمتلقي. فكرة الخزانة تتأكد فوراً في لوحة يظهر فيها جاكيت معلق، ورأس وربطة عنق يتدليان بطريقة مقلوبة من الأعلى.
يستمر اللعب في لوحات أخرى تستفيد من فن الشرائط المصورة حين يضع الرسام فقاعة فارغة أمام الأفواه كي يُكتب فيها كلام أشخاص اللوحات، لكننا لا نرى سوى علامة تعجب مرة، ثم علامة استفهام، ثم نقاطاً متتالية. مع اللعب، يستمر الكولاج، فنرى كراسي وسلالم وحقائب وأسرّة. هناك شغل يدوي أو أشغال يدوية تطغى على فكرة المعرض. الرسام نفسه يقول إنه يلتقط ما يراه في اللحظة الراهنة المسحوقة تحت ثقل الذكريات، ويأخذ مقولة ماركس عن المأساة التي تتكرر على شكل ملهاة،
التقاط اللحظة
الراهنة المسحوقة تحت ثقل الذكريات


ويقول إنه «لصّ الفن» أو لعله يتفنن في اللعب بالقوانين والمنطق، ويسعى إلى منح البقايا والذكريات فرصة التنفس بعيداً من وظيفتها التقليدية، وأنه يوقظ الوحوش التي لا تتوقف عن ترويضنا. مقولات وإشارات يمكن أن نجد لها تأويلات واضحة في اللوحات المعروضة، ولكن ذلك لا يردم الفجوة القائمة بين الانطباعات التي تبثها اللوحات، والانطباعات التي يبثها الرسام نفسه في تقديمه للمعرض. هذا يُعيدنا إلى فكرة أن التفلسف النظري يبدو أقوى أحياناً من اللعب الموجود في اللوحات، وأن الإنصات إلى تأويلات الرسام لا يكفي لإزالة انطباع آخر يظل يرافق المتلقي، وهو أن طفولية اللوحات وكولاجاتها تبدو خاضعة لتركيبات واعية ومنطقية تخفف من اللهو المستهدف فيها. هناك عوالم مصنوعة بدقة تغيب عنها الارتجالات المرافقة لهذا النوع من اللهو. قد يكون هذا أيضاً مقصوداً. أن يكون اللهو منطقياً، وأن تكون اللوحات محمّلة بمزاج تطهّري، وأن تحتوي على شيفرات من السيرة الشخصية. الطفولة الشخصية ليست مستبعدة، وسنوات الحرب ليست منزّهة عن الحضور، وكذلك البحث الراهن عن تجديد فكرة اللوحة العادية من خلال التركيب والكولاج. كل ذلك ممكن، ولكن ما هو ممكن أيضاً أن هناك مسافة بين هذه الأفكار والصياغة النهائية للوحات. مسافة أو فجوة تجعل بعض اللوحات أقل من حمولتها الفكرية والنظرية.

* Maraud›Art: حتى 21 نوفمبر ـ «غاليري جانين ربيز» (الروشة). للاستعلام: 01868290