في فيلمه التجريبي Beirut exploded views (بيروت: وجهات نظر متفجّرة ــ 28 د) الذي عرض للمرة الأولى في لبنان في «متروبوليس أمبير صوفيل» قبل أسبوعين، يبني المخرج والمصور أكرم زعتري عالماً مغلقاً له إيقاعه وجغرافيته الخاصة من خلال ورشة بناء والحياة اليومية الروتينية للرجال الذين يعيشون فيها. الشخصيتان الرئيستان هما أخوان متفاوتين في العمر، لكن لهما العينان الثاقبتان نفسيهما.
هذا التفصيل البصري يستغله المخرج ليخلق حالة طريفة من التماثل وتبادل الأدوار بينهما، فيتناوبان على اللعب بالهاتف أو فقاعات الصابون في عالمهما المنعزل الذي لا يحطم إيقاعه الصامت سوى رنات الأغاني المتقطعة التي تصدر من الهواتف، قبل أن يعود المشهد إلى ثباته الأول. ورغم أن المخرج يضع المشاهد في حالة انتظار وترقب، إلا أن ما يصوره فعلياً هو أشبه بحياة بلا انتظار، ويلعب بطرافة على هذا التناقض كما عندما يصوّر لنا إعداد صحن اللبنة بطريقة هندسية محولاً هذا المشهد إلى حدث أساسي. يستغل المخرج جغرافية هذه الورشة ليجعلها أقرب إلى متاهة عبر أسلوب استثنائي في التصوير تجول فيه الكاميرا بين أجزاء هذه الورشة عارضة المشاهد اليومية الروتينية لحياة سكانها.
عرض فيلمه
«بيروت: وجهات نظر متفجّرة»
تعود في كل مرة لتستقر على الحائط التي تكاد تلامسه بقربها منه. هذا الجدار قد يشكل استعارة لانقطاع التواصل بين سكان هذه الورشة أو بين الورشة والمدينة في الخارج. في مشهد لاحق، يصوّر المخرج الجدران البشرية التي يشكلها ثبات الرجال المتسمرين أمام هواتفهم الذكية.
وحدها السماء قد تكون صلة وصل بين العالم المنعزل للورشة والمدينة كما نرى في مشهد المفرقعات النارية الذي يراقبها الأخوان بذهول تام. إنّه الذهول نفسه الذي نراه في علاقة الرجال مع هواتفهم الذكية، أو في مشهد الضوء الذي يسلط فجأة على الأخ الكبير الذي يجمد في مكانه رافعاً يديه كأنه يصلي، في حين تقترب الكاميرا ببطء لترينا الأخ الأصغر المتسمر أمام التلفزيون في غرفتهما الصغيرة بلا أبواب ولا جدران. لقطة تجسد جمالية الذهول المقلقة التي يشرحها المخرج الخالية من أي تفاعل ملموس قد يوحي بالحياة. في هذه الورشة المعلقة في الزمن والمكان كهذه الغرفة، الشخصيات المهمشة داخلها لا ترى بعضها بعضاً ولا تراها المدينة.
يصور المخرج منظومة مبينة على الإلغاء. وحدها الحميمية في العلاقة بين الأخوين قد تعبر عن وجه ذلك التواصل المفقود. يأتي مشهد النهاية حين ترتفع الكاميرا لنرى الورشة من الأعلى وموقعها الجغرافي (واجهة بيروت البحرية) كشاهد على هذه الحياة الموقتة وغير المرئية التي عرفها هذا المكان قبل أن يبتلعه المشهد العام للمدينة.