تونس | منذ أمس، لا حديث في الأوساط الثقافية والإعلامية في تونس الا عن الشريط الوثائقي «من قتل شكري بلعيد؟» الذي قدمته «الجزيرة» مساء الخميس عن اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد. هذا العمل أخرجه مصطفى محمد وقدمته «الجزيرة» على أنّه شريط يندرج ضمن الصحافة الاستقصائية التي تبحث في حقيقة اغتيال شكري بلعيد في ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣ ضمن أول اغتيال سياسي في تاريخ البلد. وقد هزت الجريمة الشارع التونسي الذي شيع بلعيد في ٨ شباط في جنازة غير مسبوقة، وصل عدد المشيعين الى حوالى مليونين بحسب تقديرات وزارة الداخلية.
الفيلم الذي أنتجته المحطة القطرية مثّل فضيحة حقيقية أكدت السقوط المهني والأخلاقي لهذه القناة التي انهارت شعبيتها في الشارع التونسي منذ أن كشفت عن ولائها للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ولحركة «النهضة» الفرع التونسي لهذا التنظيم. ومنذ ما قبل انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١، تراجعت نسبة مشاهدة «الجزيرة» حتى وصلت إلى 1 في المئة وفق شركة «سغما كونساي»، فيما جاء الشريط الذي قدمته ليزيد سمعتها سوءاً وصورتها انهياراً.
في أول رد فعل على هذا الشريط، أعلنت عائلة الشهيد شكري بلعيد في بيان أصدره شقيقه عبد المجيد بلعيد عن مقاضاة «الجزيرة» التي «شوهت عائلة الشهيد من خلال اتهام أرملته بأنها كانت على علاقة برجل آخر»، ما دفع الشهيد الى طلاقها. ومن خلال هذا الشريط، يفهم المشاهد أنّ تصفية شكري بلعيد كانت لدواع عائلية. كما أكد أنّ بسمة الخلفاوي ليست ارملة بلعيد بل طليقته. وحاول الشريط كشف وثائق من الحالة المدنية للشهيد ولـ «طليقته» ووجه تهمة اغتيال بلعيد الى رجل الاعمال كمال لطيف ولـ «الدولة العميقة».
خلص الشريط الوثائقي إلى أنّ اغتياله سببه «ثأر عائلي»

واعتبر أنّ كمال القضقاضي الذي تمت تصفيته في عملية أمنية واسعة استهدفت مجموعة من الارهابيين في شباط (فبراير) الماضي في ضاحية رواد والمتهم الأساسي في اغتيال بلعيد، ليس الا عنصراً من عناصر التنفيذ وكذلك المتهم الثاني الفار أحمد الرويسي.
الشريط أشار ايضاً الى أنّ اغتيال الزعيم الناصري محمد البراهمي الذي تمت تصفيته في ذكرى تأسيس الجمهورية في ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠١٣ هو حلقة أخرى من حلقات التصفيات السياسية التي تمارسها بعض الجهات النافذة لتشويه الاسلاميين!
الشريط لم يقدم رؤية المحامين ولا عائلته ولا المنظمات الحقوقية ولا هيئة الدفاع عنه. والعمل الذي سماه معدو الشريط بأنّه «استقصائي» بني على معلومات وتحاليل للمدوّن ماهر زيد، أحد الذين تم توظيفهم في وزارة العدل في إطار العفو التشريعي بعد ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١. عفو أفاد منه أساساً مساجين حركة «النهضة» الاسلامية ومن بينهم ماهر زيد الذي قُبض عليه في وقت سابق بتهمة حيازة محاضر بحث السلفيين بعدما حصل عليها في إطار وظيفته في محكمة تونس. وقد أطلق سراحه بتدخل من قيادات «النهضة» آنذاك وفق ما أكده القيادي في نقابة السجون عصام الدردوري.
هذا الشريط اعتبره الاعلاميون التونسيون والحقوقيون فضيحة حقيقية، إذ حوّل تهمة اغتيال بلعيد من تنظيم «أنصار الشريعة» بحسب معطيات وزارة الداخلية من القيادي في «النهضة» وأمينها العام الحالي علي العريض الى مجرد «ثأر عائلي» إثر اكتشاف الشهيد الخيانة الزوجية المفترضة لبسمة الخلفاوي، وهذا منتهى السقوط المهني والأخلاقي.