على مقربة من الكنيسة المريمية في دمشق، شدّنا صوت الفرح الآتي من زقاقٍ قريب، تتداخل فيه أصواتٌ نسائية مرددةً أجمل أغاني الأعراس التراثية. استسلمنا له وتركنا له مهمة قيادتنا إلى أحد مواقع تصوير «عطر الشام» (كتابة مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب) الذي زارته «الأخبار». البهجة تتسيّد المشهد احتفاءً بـ «طهور عامر» الابن الوحيد لكبير حارة «القصب» (رشيد عسّاف). أمّا زوجاته الثلاث مطيعة (رنا أبيض)، كاملة (ليليا الأطرش)، وفوزية أم عامر (إمارات رزق)، فنحيّن مكائدهن جانباً ليقمن بواجب ضيفاتهن من أهل الحارة. على المائدة، توزّعت أطايب الضيافة الشاميّة: البرازق، المحلّاية، البقلاوة، صرر الملبس، والعصائر. هذه الفرحة سيعكّرها لاحقاً اكتشاف سرّ يتعلّق بالطفل عامر الذي طال انتظاره، ما يدخل أبو عامر في محنةٍ صعبة تحوّله «شخصاً قاسياً، ومُسْتَفَزاً طيلة الوقت. رغم حرصه على إظهار تماسكه أمام عائلته وأهل حارته، لكنّه يعيش حالة فصام بسبب تعرّضه لجرحٍ كبير». هكذا لخّص رشيد عسّاف لـ «الأخبار» التحوّلات التي تطرأ على شخصيته في المسلسل، وهذا من شأنه «أن يجعل المشاهدين يحارون في ردّة فعلهم تجاه ما يحدث معه، انطلاقاً من المثل الشعبي القائل "المال للي جناه، والولد للي ربّاه"». ونوّه النجم السوري إلى خصوصية دور أبو عامر، فهو يعتبره من «الأدوار المغرية جداً لأيّ ممثل، كما حكاية العمل التي تبدو مختلفةً على مستوى الطرح والمعالجة، مقارنةً بأعمالٍ شاميّةٍ أخرى». كلام عسّاف أتى إجابةً على سؤال «الأخبار» عن سرّ إصراره على بطولة عملٍ شامي كل موسم خلال السنوات الأخيرة، بالتوازي مع اعتذاره عن عدم أداء عدّة أدوارٍ معاصرة. وأضاف: «يبقى العمل الشامي الأكثر حضوراً في رمضان بين الأعمال السوريّة على المستوى العربي شئنا أم أبينا. هو مكرّس عند الناس على أنه تراثي، ويحقّق لهم جو الفرجة وهي جوهر الفنّ. ربما نختلف أو نتّفق حول التقييم النقدي للأعمال الشاميّة، أمّا بالنسبة إلى المشاهدين، فتقييمهم ينصب على الجانب الإنساني للقصّة وما تحقّقه لهم من متعة. المهم أن نطّل عليهم ونسعدهم قليلاً وسط الأزمات الكبرى التي نعيشها، وهذا لا يعني أنني لست حريصاً على تقديم أدوار معاصرة، لكني أتريّث قبل اتخاذ القرار بشأنها وما اعتذرت عنه، لم أجد نفسي فيه». حول مسلسل «عطر الشام» الذي يصورّ جزءين منه بشكلٍ متزامن لموسمي رمضان 2016 و2017 (إنتاج شركة قبنض) أصّر المخرج محمد زهير رجب على أنّ العمل «دمشقي وليس شامياً بالمعنى الفولوكلوري السائد في هذا النوع من الأعمال. بمعنى أننا نحاول تقديم عمل أقرب ما يكون إلى واقع مجتمع دمشق خلال عشرينيات القرن الماضي».
عصابة أبو الرجا تختطف النساء وتجبرهن على ممارسة الدعارة

وأوضح: «قدّمت عملاً دمشقياً هو الجزء الأوّل من "طوق البنات" عام 2014، واعتبرته خطوة أولى نحو تحقيق المصداقية في تناول البيئة الدمشقية على حقيقتها، بعيداً عن الفانتازيا، أو الشكل الفلوكلوري المجمّل والمعقّم. أنا مع تقديم هذا المجتمع كما كان عليه، ليس منغلقاً ولا فاضلاً، بل متنوّعاً فيه المثقّفون والبسطاء الأميّون، الأخيار والأشرار نساءً ورجالاً. هذا ما نحرص على تقديمه عبر «عطر الشام»، بجرعةٍ أكبر من الجرأة نتجاوز فيها خطوطاً حمراً كانت موجودة في أعمال سابقة». تدّخل الكاتب مروان قاووق خلال حديثنا مع زهير رجب، مؤكداً إبراز الجانب المتنوّر للمجتمع الدمشقي في «عطر الشام»، ومنتقداً أعمالاً أخرى صورّت البيئة الدمشقية على أنّها منغلقة. توجّهنا إليه بالسؤال: لكن ألست أنت من كتّاب تلك الأعمال التي واجهت الانتقادات ذاتها؟ أجاب بما يشبه الإدلاء بإفادةٍ جنائية: «أعترف أنني قدّمت البيئة الشامية كبيئة منغلقة للافادة من عناصر الحكاية الشعبية، مع إسقاطات على الأحداث السياسية المعاصرة لتحقيق عنصر الإثارة. في المقابل همّشت المثقف السوري والمرأة السوريّة على المستوى الاجتماعي لصالح تقديم حكاية شعبية بسيطة، لكنّها بعيدة عن حقيقة الواقع الاجتماعي خلال تلك الفترة. هذا يطال أعمالاً شاميّة عديدة كتبتها مع زملاءٍ آخرين، على غرار «باب الحارة» بأجزائه العديدة».
لكن هل سيتغيّر منحى المعالجة في «عطر الشام» بما يتناسب مع هذه المراجعة الفكرية الصريحة؟ أكّد قاووق أنّ «عطر الشام» يختلف عن الأعمال الشاميّة التي قدمّها، «فهو نموذجي في تناوله للحقبة الزمنية التي تَلَتْ الاحتلال الفرنسي لسوريا بأشهر قليلة، ويمكن وصفها بفترة التعايش المُرْبَك بين المحتّل والشعب السوري، ترواحت بين قبوله على مضض والاستعداد لمواجهته. لكن الجانب السياسي في المسلسل لا يتجاوز 10 في المئة من مجمل الأحداث، فمعظمها تدور حول قصص اجتماعية، تقدمّ جزءاً من الصورة الحقيقية للمجتمع الدمشقي». وكشف الكاتب بأنّ أحداث «عطر الشام» قد تمتد على مدى خمسة أجزاء بين عشرينيات القرن الماضي، وصولاً إلى نيل سوريا استقلالها أواسط الأربعينيات.
مروان قاووق ومحمد زهير رجب أشارا إلى جرأة العمل وتجاوزه لخطوط حمر، لكنهّما لم يدخلا في التفاصيل التي قد يكون أحد أشكالها الخط المتعلق بعصابة أبو الرجا (قاسم ملحو) التي تقوم باختطاف نساء وإجبارهن على ممارسة الدعارة. ويضم العمل على قائمة أبطاله: صباح الجزائري، سلمى المصري، نجاح سفكوني، رضوان عقيلي، عبد الرحمن أبو القاسم، زهير رمضان، أمانة والي، محمد قنوع، يزن خليل.