منذ الطفولة، يعيش عازف البيانو والمؤلف اللبناني وسيم سوبرا (الصورة) في جو موسيقي. اكتشف آلة البيانو في عمر السادسة، وأكمل بعدها دراساته في العلوم الموسيقية. بعد دراسته البيانو في «المعهد الموسيقي» في بوسطن ثم في باريس، انتقل سوبرا إلى التأليف الموسيقي الذي تعلّمه في الـ«سكولا كانتوروم». رغم أنّه لا يزال يعزف دائماً مقطوعات من الريبرتوار الكلاسيكي للحفاظ على التقنية والليونة، إلا أنّه منذ زمن لم يعد يقدّم حفلات موسيقية يؤدي فيها تلك المقطوعات.
سرعان ما تحوّل اهتمامه من أداء أعمال مؤلفين كلاسيكيين إلى تأليف مقطوعاته الخاصة. في 2010، أصدر أسطوانة بعنوان «صوناتات شرقية»، اعتبر أنّه يجسّد من خلالها خلاصة بين أساسيات التأليف الموسيقي الغربي وتأثيراته الشرقية. تبعه ألبوم منفرد آخر هو «دون».
تأثّر سوبرا بالميثولوجيا يعود إلى سنوات عدّة. تحت اسم «ريا» (الإلهة الإغريقية)، أسس إلى جانب عازف الإيقاعات والحكواتي السنغالي سليمان مودج، وعازف الساز الأرمني فاسكين سولاكيان، ثلاثياً أصدر سنة 2006 ألبوم جاز حمل عنوان Bach to Beirut.
بطلب من «الأونيسكو»، وبمساندة «مركز التراث الموسيقي اللبناني»، بدأ المؤلف اللبناني العمل على مشروع «حدائق أدونيس» قبل سنوات. بداية، كانت الفكرة إنجاز عمل موسيقي يرتكز على التراث الثقافي اللبناني. عندما اقترح سوبرا أسطورة أدونيس، حصل على الموافقة فوراً، خصوصاً أنّها ترمز إلى الحياة التي تنبعث من جديد.
العمل مزيج
بين نصوص فرنسية وعربية
أسباب عدّة دعت سوبرا إلى اعتماد هذه الأسطورة تحديداً. في اتصال مع «الأخبار» يقول: «أوّلاً، أدونيس أسطورة لبنانية لا يعرفها الجيل الجديد. التراث اللبناني جميل جداً ويحمل تعاليم وقيم بديعة أحببت أن أترجمها موسيقياً. أما السبب الآخر فهي الرسالة التي تحملها الاسطورة حول أنّ الحياة أقوى من الدمار». ويضيف: «عَشِقت أدونيس كلّ من عشتروت وإلهة الصيد، وكانتا تغاران عليه. هو ضحية الحب والغيرة. لكن من دمه، ستنبت هذه الزهرة التي نراها في كل ربيع. هذه هي دورة الحياة».
ليس العمل أوبرالياً بالمعنى التقليدي، أي إنّنا لن نرى ملابس أو مشاهد، أو قصّة نتابع تطوّراتها. يشرح سوبرا: «حاولت أن أنطلق من المسرح اليوناني القريب من الحكواتي الشرقي. فالأخير لا يعتمد في أدائه إلا على الكلام. يكفي أن يتكلم لينقلنا إلى عالم الخيال بعيداً عن الواقع الذي نعيشه. هذه البساطة والسذاجة في العمل نفسه تحثّان المخيّلة. دمجت مفهوم الحكواتي مع مفهوم المسرح اليوناني: شخص يتكلّم، وعازف يؤدي وآخر يغني. ليس من حركة مسرحية. لا أريد أن أكون مدّعياً، لكنّني حاولت أن أبتكر نموذجاً جديداً، لذا سمّيته أوبرا من الشرق. بالنسبة إليّ، البساطة هنا مهمة. فبفضلها يمكننا التركيز على القصة والعواطف».
من الناحية الموسيقية، يصعب على المؤلف أن يصنّف عمله، خشية الانتقادات. يفضّل القول إنّه يعمل على الموسيقى التي تعيده إلى طفولته في لبنان. تلك الموسيقى التي سمعها في مختلف المناسبات، مثل موسيقى عيد الرب والدبكة والأفراح. «ترعرعت على أعمال أم كلثوم والرحابنة وفيروز. هذا المزيج أثّر فيّ. وبما أنّني مهتمّ بالموسيقى الكلاسيكية من ناحية أخرى، طبّقت قوانين الطِّباق (Contrepoint) وعلم التآلف الغربي (Harmonie) على الشعور الشرقي»، يقول.
منذ سنوات، تجمع بين سوبرا وبرتران لوكلير علاقة صداقة. فالأخير حائز جوائز أدبية عدّة، ويحبّ لبنان كما يؤكد سوبرا، ولطالما سمع أنّه معبر للثقافية الأوروبية ومنبع لها. هكذا، جرى التركيز على تحويل أسطورة أدونيس إلى حكاية تنطبق على واقعنا الحالي، وبالتالي على إعطائها طابعاً معاصراً: العنف اليومي الذي يشهده العالم، الدم والموت والانبعاث من جديد. العمل مزيج بين نصوص فرنسية وعربية. إلى جانب ما كتبه لوكلير، استوحت أيضاً ديما الرفاعي من الأسطورة لتأليف عدد من النصوص.
وأحبّ سوبرا تقديم تحية إلى ناديا تويني: «هي ترمز إلى الإنسان اللبناني الذي تكوّن من الحضارات والديانات المتراكمة. على المستوى الإنساني والثقافي، تتطرّق إلى هذه التركيبة بشعرها. وكونها امرأة حرّة، أثبتت وجودها كأديبة وإنسانة مرهفة. الهدف من هذا العمل هو الانسان. وعلينا أن نتخطى اللغات والفروقات. فجميعنا نعيش التجارب نفسها، نحزن ونتأمل ونبكي ونعبّر عن ذلك بالموسيقى. الفكرة تدعونا إلى التشارك في اللعب على طريقة الأولاد».

إضافة إلى كونه المؤلّف، يشارك سوبرا على المسرح في العمل عزفاً على البيانو. أما الميتزو ــ سوبرانو بلاندين ستاتكييفيتش، فاختارها لأنّها متخصصة بالموسيقى الباروك القريبة من الموسيقى الشرقية بلجوئها إلى الزخرفة في الغناء. أما باتريسيا عطالله، فيقول سوبرا إنّها تتمتع بصوت «حنون وبرخامة أصيلة. آلة الساكسوفون هنا بمثابة عنصر معاصر». ويوضح أنّ على العود هناك العازف السوري الأصل خالد الجرماني الذي يؤدي بحنيّة محوّلاً صوت الآلة إلى صوت بشري. أما بيار روغوبولوس (إيقاعات) فـ«أعرفه منذ أكثر من 10 سنوات وهناك نوع من التناغم بيننا. هناك أيضاً الممثلة آن جاك التي ستتلو القصائد، وإيما ميتون، عازفة التشيلو، وهي آلة أساسية في الهارموني».

«حدائق أدونيس»: 20:00 مساء اليوم ــ كنيسة مدرسة «سيّدة الجمهور» (بعبدا). للاستعلام: 01/373150