تونس | آلاف الصحافيين ومئات وسائل الإعلام سجّلوا حضورهم في المدن التونسية منذ أيام لمواكبة الانتخابات البرلمانية التي انتهت مساء أمس الأحد بعد إقفال الصناديق. هذه الانتخابات هي الثانية التي تعيشها تونس منذ سقوط النظام السابق (زين العابدين بن علي)، لكنها الأهم. إذ إنها تنهي المرحلة الانتقالية التي يعيشها البلد منذ أربع سنوات تقريباً. لذلك كان الاهتمام بها غير مسبوق. الملاحظ أن وسائل الإعلام التونسية المكتوبة والمرئية والمسموعة، تفاوتت في تفاعلها مع الأحزاب السياسية.

وقد سجّلت «الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات» مجموعة من التجاوزات في مستوى الفضائيات التونسية، وخصوصاً لجهة احترام معايير المهنية والاستقلالية، على عكس الصحف والإذاعات. لكن الملاحظة الثانية في الموعد الانتخابي هو تفاوت المهنية.
برزت المؤسسات الإعلامية القديمة أكثر مهنية من وسائل الإعلام الجديدة التي تقف وراءها حركة «النهضة». القنوات الجديدة مثل «الزيتونة» التي يملكها أسامة بن سالم، وهو نجل القيادي في «النهضة» منصف بن سالم، تساند الحركة علناً، سواء من خلال برامجها أو عبر الشخصيات التي تستضيفها. كذلك الأمر بالنسبة إلى محطة «المتوسط» التي يديرها نور الدين العويديدي القيادي في «النهضة». وكذلك شبكة «الأخبار التونسية» التي يسهم في رأس مالها لطفي زيتون القيادي في «النهضة».
أما قناة «حنبعل»، فيبدو انتصارها لـ«النهضة» واضحاً من خلال خطّها التحريري الذي تغيّر منذ أن تولى إدارتها زهير القمبري المعروف بقربه من «النهضة». وفي مواجهة المحطات الثلاث، تبدو القنوات الرسمية الإذاعية والقناتان الأولى والثانية أكثر توازناً، رغم ما تتعرّض له من اتهامات بمهادنة «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية». أما قناة «نسمة» المملوكة للمنتج السينمائي طارق بن عمار، فهي متهمة بمساندة الأحزاب الديموقراطية والعلمانية كما تسمّيها «النهضة»، وأوّلها حزب «نداء تونس» بزعامة الباجي قائد السبسي. كذلك، تواجه الإذاعات الخاصة «موازييك» و»شمس. اف. ام» و «كاب. اف. ام» و»إكسبراس. أف. أم» التهمة نفسها، وهي الانتصار لـ«الحركة الديموقراطية والليبرالية» والمتهمين بـ«العلمانية» ومعاداة الإسلام». انهماك الإعلام في الانتخابات أنهى الجدل حول «الهيئة العليا المستقلّة للإعلام السمعي البصري» المعروفة بالـ«هايكا» التي أصدرت قرارات عقابية ضدّ بعض القنوات، منها «نسمة» و«حنبعل».
لكنها اضطرت إلى التراجع عنها بعد الضغط الإعلامي والسياسي الذي تعرّضت له. ومن المنتظر أن تنتهي صلاحية الهيئة التي سينتهي عملها بعد انتخاب البرلمان، وستُعيَّن هيئة جديدة يتوقع أن تكون وفق مقاييس أكثر مهنية. ومهما تكن نقائص الانتقال الديموقراطي الذي تعيشه تونس منذ أربع سنوات، فإن المكسب الوحيد الذي تحقّق هو حرية الإعلام وخروجه من بيت الطاعة.