كان يفترض أن تتوقف «التونسية» و«حنبعل» و«نسمة» التي تُعَدّ من الأعلى مشاهدة في تونس، عن البث بدءاً من أمس الأحد تجنّباً للإجراءات المالية العقابية التي أقرتها «الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري» (الهايكا) في تونس. وكانت «الهايكا» قد قررت قبل أيام إيقاف كل الإذاعات والقنوات التي لا تملك رخصة، ومن بينها «التونسية»، كذلك طالبت القنوات الحائزة رخصاً قديمة بتجديد ملفاتها أو إيقاف البث، وهو قرار طاول «نسمة» و«حنبعل».
الأخيرتان خصصتا يوم أمس لبث مشترك تمحور حول إدانة الهيئة واتهامها بتنفيذ أجندات حزبية موالية لحركة «النهضة» الإسلامية. تزامن ذلك مع تحركات قام بها صحافيون شباب ومالكو تلفزيونات وإذاعات لم تحصل على ترخيص من «الهايكا» التي أصبحت في مرمى الجميع، بما في ذلك نقابة الصحافيين والنقابة العامة للإعلام. ورأى ممثلو نحو ست قنوات و15 إذاعة أنّ المقاييس التي اعتمدتها الهيئة غير شفافة ولا واضحة. واتهم الغاضبون بعض الإذاعات والتلفزيونات التي حازت ترخيصاً بقربها من «النهضة» و«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» وهو سرّ حصولها على الترخيص القانوني. وهدد الغاضبون باللجوء إلى القضاء، كذلك هددوا بالاعتصام من جديد في رحاب المجلس التأسيسي أو في ساحة الحكومة في القصبة.
ما يقوله الغاضبون يلقى صدى واسعاً في الوسط الإعلامي. أما عضو الهيئة هشام السنوسي، فنفى في تصريح لوسائل الإعلام انحياز الهيئة إلى أي طرف سياسي أو إعلامي. ورأى أنّ الغاضبين تعوزهم الحجة. فمن الأسباب الرئيسية لرفض بعض القنوات مثل «التونسية»، أنّ مالكها سليم الرياحي يقود حزباً سياسياً. وكذلك، رُفضت قناة «الجنوبية» لأنّ مالكها الأساسي محمد العياشي العجرودي يقود حزباً سياسياً هو حركة «التونسي». لكن ما تقوله الهيئة لا يصمد، لأنّها منحت ترخيصاً لقناة «الحوار التونسي» التي يملكها الطاهر بن حسين وهو يقود تياراً سياسياً هو تيار «المستقبل» ويبدأ بجمع تزكية المواطنين للترشح للانتخابات الرئاسية. هذا ليس المثال الوحيد، فقناة «المتوسط» التي حازت الترخيص القانوني قريبة جداً من «النهضة» ومديرها نور الدين العويديدي من أبرز قيادات «النهضة» في التسعينيات...
هذه التحفظات والاحتجاجات والتشكيك في صدقية «الهايكا» لا تأتي من المنابر الإعلامية الحائزة الترخيص فحسب، بل أيضاً من الظروف التي أحاطت ببعثها بعد مخاض طويل من الجدل والنقاش والمحاصصة الحزبية في المجلس الوطني التأسيسي بين أحزاب الترويكا الثلاثة. رئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» كانت لها الكلمة الفصل في تشكيلها مع «المجلس الوطني التأسيسي» الذي تسيطر عليه «النهضة». وينص القانون الأساسي لـ«الهايكا» على الزامية اتخاذ القرارات بموافقة كل أعضائها، في حين أنّها سجلت استقالة عضوين منها ولم يجرِ تعويضهما، وبالتالي فكل قراراتها تصبح فاقدة للشرعية القانونية.
الاحتجاجات تكبر كل يوم ضد الهيئة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي سيفرز مشهداً سياسياً جديداً قد تكون الهيئة أولى ضحاياه أمام انهمار الدعاوى ضدها في المحكمة الإدارية من أصحاب القنوات المرفوضة.