مجدداً؛ يُثبت تنظيم «الدولة الإسلامية» أنّ إدراكه لدور الإعلام في الحروب يفوقُ إدراك بعض الدول. لا يحاول التنظيم المتطرّف تغيير الإطار الذي يراهُ الآخ/ العدو عبرَه، لكنّه رغم ذلك يحرصُ على مخاطبته. ويُمكن القول إنه يسعى في خطابه إلى تكريس صورته تنظيماً متطرّفاً، مراهناً على إحداث نوعٍ من «توازن الرّعب». بطبيعة الحال، لا يعتبر قادة التنظيم، ولا مسلحوه أنفسهم متطرّفين، بل «أصحاب رسالة».
اللافتُ أن الآلة الإعلامية «الجهادية الداعشيّة» تأخذُ على عاتقها مواكبة المستجدّ الميداني، والسياسي، لا باعتباطية وارتجالية، بل وفق منهجيّة مدروسة، ومُبرمجةٍ سلفاً. في هذا السياق، يأتي إصدار الشريط المصوّر «لهيب الحرب» قبل يومين مُنسجماً مع روح المرحلة. يسعى الشريط (55 دقيقة) إلى تحقيق هدفين اثنين، أوّلهما تأجيج الروح القتالية لدى مسلّحيه، وأنصاره، وثانيهما بث رسائل رعبٍ إلى الرأي العام خصوصاً الغربي. الحرصُ على الهدف الثاني يبدو جلّياً من خلال اختيار الإنكليزية لغةً أساسيةً للشريط، مع ترجمته إلى العربيّة. تحرصُ مقدمة «لهيبُ الحرب» على ربطِ أحداث اليوم بالأمس البعيد، عبر التأكيد على أن صراع المرحلة الراهنة مرتبطٌ بالغزو الأميركي للعراق. ثمّ يعرضُ ما يُمكن وصفه بـ«سيرة الدولة في سوريا»، منذُ أولى معاركه الكبيرة (معركة اقتحام مطار منغ العسكري) في ريف حلب، مروراً بمعاركه ضدّ «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» (يحرص الشريط على وصفهما بالصحوات)، ثمّ ضدّ مسلحي حزب العمّال الكردستاني (PKK)، ووحدات حماية الشعب الكردية (PYD)، وليس انتهاءً بأحدث معاركه في العراق. كل المعارك تمّ توثيقها، أو على الأقل توثيق أجزاء منها بالصوت والصورة، وتولّى المونتاج مهمّة تصديرها في شريط واحدٍ، حاول أخذ شكل الفيلم الوثائقي.
كان لـ«الخليفة إبراهيم»
ظهورٌ بالصوت والصورة
في السياق، يُعرفنا الشريط ببعض «استراتيجيات» الحرب لدى «داعش»، فيوضحُ لنا طبيعة مهمات كلٍّ من «صائدي المدرعات»، و«الاقتحاميين»، و«الاستشهاديين»، والاختلافات بينهم، وكيفَ يقوم كلّ منهم بدور محدد في عمليات الاقتحام في رسالةٍ مفادُها أن «معارك الدولة مدروسة». كما كان لـ«الخليفة إبراهيم» (زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي) ظهورٌ بالصوت والصورة أثناء «إعلان الخلافة» ثم عبر رسالة صوتيةٍ مقتطعةٍ من أحد خطاباته، ترجمها «الغرافيك» إلى الإنكليزية، موجهة إلى الولايات المتحدة «حامية الصليب» - كما يصفها – ومفادُها: «عما قريب ستكونين في المواجهة المباشرة (...) وإن أبناء الإسلام قد وطّنوا أنفسهم لهذا اليوم» في تأكيد من صُناع الشريط على أن التنظيم لم يُفاجأ بالحرب الجديدة ضدّه، بل إنه استدرج الولايات المتحدة إليها، وقد استعدّ لها جيداً. ثمّة تفاصيل عدّة أخرى تسترعي الانتباه، وعلى رأسها التطور التقني الذي مرّ «إعلام داعش» به. التقنية المستخدمة في تصوير اقتحام مطار منغ العسكري مثلاً، تبدو متواضعةً قياساً إلى تلك التي صُورت بعد معارك الفرقة 17 (الرقة)، ومعارك العراق الأخيرة. كذلك؛ بدا لافتاً انسجام الخطاب الذي يحاول الشريط تصديرَه، مع أحدث خطابات المتحدث الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني، الأمر الذي لا يدعُ مجالاً للشكّ في أن لدى التنظيم «آلة إعلامية محترفة» بمعنى الكلمة.