مضى وقت طويل على آخر إطلالة لزياد الرحباني في ”المركز الثقافي الروسي“. بدءاً من مساء غد، يستضيفه «المركز» على مدى ثلاثة أيام متتالية. قبل الدخول في المستقبل، عودة ضرورية إلى الماضي: ستحفظ ذاكرة زياد الرحباني شهر آب (أغسطس) 2014 بأحرف نافرة. على مدى أشهر، اشتغل الرجل، ومعه فريق عمل، على إعداد برنامجٍ حافلٍ لهذا الصيف الذي انصرم (وأخيراً!) تاركاً مكانه للخريف الحنون.
يمكن اختصار هذه الورشة بأبرز عناوينها: تشكيل الفرقة (القصاص المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود في آلية عمل زياد)، تأمين متطلبات الموسيقيين الأجانب وانتقالهم إلى لبنان وفيه ثم منه، متابعة اللوجستيّات (تجهيزات صوتية، إضاءة، إعلانات، تصاميم…)، وضْع البرنامج وإجراء التمارين عليه والعمل أحياناً على إضافة بعض التوزيعات الموسيقية التي تتطلب جهداً ووقتاً لكن مردودها من السمع شبه معدوم غالباً، تماماً كما مردود النصوص (العظيمة وبإصرار)، إلّا إذا وُجِد بين الجمهور شخصية موسيقية/فكرية بمستوى فاطمة حوحو طبعاً (Google her). هذا ليس سوى جزء من الجهود المبذولة لتقديم الفرح المطوِّر للنفس البشرية ومستقبلها في هذا الوجود الرهيب. لكن التاريخ (أي كل ما حدث ويحدث في الأرض والكون كل لحظة) أو الله (بلغة المؤمنين) له غالباً مشروع آخر للبشر ولخططهم المدروسة. في عجقة هذه الورشة الضخمة، تعرض زياد لشلل موصوف طبياً في يده اليمنى. رغم ذلك، ألغى حفلة واحدة فقط (إهدن) ثم مرض وأصابته الحمّى المؤذية بشكل مضاعف في الصيف. ورغم ذلك أطل من ”حلاوة الروح“ في حفلاته الكثيرة رغم أنه تغيّب عن واحدة في انطلياس وعن الجزء الأول من أخرى في قلحات. غاب أيضاً عن حفلته في الخنشارة لأسباب أمنية كما أشير في اختتام البرنامج (ونترك له شرح التفاصيل). تسنى لنا حضور معظم هذه الحفلات (أو الاستماع إلى التسجيل لاحقاً). وهنا يجب الإشارة إلى أن الرحباني، الذي اعتاد تفريغ أحاسيسه المتفاعلة (تحليلاً وعاطفة) مع كل ما يجري حوله على تلك المفاتيح البيضاء والسوداء، وجد نفسه أمام خيار وحيد لمّا خانته يمناه: الكلام. كلمته في بيروت نُشِرَت لاحقاً في ”الأخبار“ تحت عنوان ”مباني الزجاج“ ويمكن مراجعتها. أما أبرز ما قاله في قلحات (الكورة) في كلمة غير مُعدّة مسبقاً أمام أكثر من 1200 شخص فكان: ”في عام 2015 لن نعود نشكو من شيء اسمه وهّابية… أقله في لبنان وسوريا“. في الناقورة أطلق تصريحات مدوية وطالب قبلها الجميع، وبخلاف العادة، بالتصوير والتسجيل ثم النشر. دقة الكلام تمنعنا من تناوله متى لم تتوافر المادة الكاملة مسجّلة لمعالجتها بهدوء (والغريب أن لغاية الآن لم ينشر أحد شيئاً ممّا طالب زياد الجمهورَ بتوثيقه!). أتى ذلك، رغم أهميته، على حساب العزف على البيانو؟ طبعاً. لكن، أولاً هذه ليست أمنية زياد الرحباني. ثانياً، ما استطاع زياد إنجازه عزفاً يتخطى المطلوب من شخص بهذه الحال. ثالثاً، أثّر ذلك سلباً، بطبيعة الحال، على النتيجة المتوقعة من إضافات زياد على آلته، لكن معظم أعماله لا تحتاج بالضرورة إلى هذه الإضافات، وهو ليس بول فيتغنشتاين (لا سمح الله) وبصدد تقديم كونشرتو البيانو الرابع لبروكوفييف (Google it أيضاً، بما أنكم فتحتم محرك البحث قبل قليل).
انتهت هذه ”الجلجلة“ التي قابلها بعض الصحافيين، التقليديين والديجيتال، برمحٍ في خاصرة زياد. هدأ الأخير قليلاً لتحضير مشاريع، أجمل ما في بعضها أنها لن تحصل في الوطن العنيد. قبلها يطل من ”المركز الثقافي الروسي“ لإحياء ثلاث أمسيات ستكون الحصة الكبرى فيها للكلاسيكيات (موسيقى الأفلام / الأغنية الفرنسية / السول والفانك / الجاز / البوسا نوفا/ الموسيقى اللاتينية / البوب) بالإضافة إلى بعض أعماله الخاصة، مِنَ النوع الذي يتماشى مع جو البرنامج. بعدها ينتقل زياد وفرقته إلى Playroom لإحياء أمسيتَين مساء الثلاثاء والأربعاء المقبلين.




الجمعة السبت والأحد في ”المركز الثقافي الروسي“ (فردان): 790212-01
الثلاثاء والأربعاء في Playroom (الدورة): 757500-70