يقترب من النفس التلفزيوني في المشاهد الداخليّة، قبل أن يتنفّس سينمائياً خارج الجدران
في المضمون، يتسلّل فولادكار إلى حكايا ثلاث ثنائيات مسلمة: «لبنى» (دارين حمزة) و«أبو أحمد» (رودريغ سليمان)، «بتول» (زينب هند خضرة) و«مختار» (حسين مقدم)، «عواطف» (ميرنا مكرزل) و«سليم» (علي سموري). الأولى تتحرّر من زواج رتّبته العائلة، فتعود إلى حلمها القديم «أبو أحمد»، بائع الخضار المتزوّج اليوم. الحل بسيط: زواج متعة سرّي. قضيّة مثيرة للجدل طرحتها فرح شاعر سابقاً في الشريط القصير «وهبتك المتعة» (2012). الثانية تعاني من غيرة زوجها المرضيّة، والشجار المتكرّر معه في بهو البناء السكني أمام الجيران. الأدهى أنّه لا يجد صعوبةً في عبارة «أنتِ طالق»، قبل أن يعود إلى رشده. الطلاق الثالث يضع حدّاً للأمر. لا يمكن لبتول أن تعود لمختار، إلا بعد زواجها بغيره وطلاقها منه، أو ما يسمّى بالـ «محلّل». السينما المصريّة قدّمت الموضوع مراراً في أفلام كوميديّة، مثل «طلاق سعاد هانم» (1948) لأنور وجدي، و«جوز مراتي» (1961) لنيازي مصطفى، و«زوج تحت الطلب» (1985) لعادل صادق. «عواطف» لم تعد قادرةً على تلبية احتياجات «سليم» الجنسيّة، فتقترح عليه الاستفادة من «ميزة» تعدّد الزوجات. كمن يجلب الدبّ إلى كرمه، تدخل «باردوت» (فاديا أبي شاهين) الأصغر سنّاً إلى البيت. هذا يحيلنا على فيلم فولادكار الأول، حين اقترحت «مريم» (برناديت حديب) على «زياد» (طلال الجردي) الزواج بأخرى قادرة على الإنجاب. حلّ شرعي قفز إلى لسانها بعد انعدام السبل، بما فيها اللجوء إلى شيخ محتال. التركيبة كلّها فيها شيء من الـ Satire «الطلاق على الطريقة الإيطالية» (1961) لبييترو غيرمي، و«الطلاق على الطريقة الأميركية» (1967) لبد يوركن.
«بالحلال» ينتهك الخصوصيات والمسكوت عنه. يتسلّل إلى غرف النّوم. يختلس النظر إلى «فانتازمات» النساء، ويسترق السمع إلى نمائمهن. يضيء على «الثغرات» القانونيّة في الشريعة، عابراً من أبوابها الخلفيّة نحو الخيبة والندم. الذكاء أنّه يفعل كلّ ذلك بلطف وخفّة. لا أخبث من الضحك والسخرية للمرور بسلام، ونزع فتيل الحساسيات والحرج. فولادكار، الذي كتب السيناريو، لا يجرح مشاعر مشاهديه، ولا يحاكم أبطاله. هم فقط يريدون الحبّ والاكتفاء، من دون المساس بتعاليم دينهم. وفق هذا المنظور المختلف، يمكن فهم حماس المهرجانات الكبيرة للشريط. الناقد والمتفرّج الغربي تعرّف إلى مقاربة أخرى للإسلام. لا إرهاب أو «قاعدة» أو حروب أهليّة، بل زواج وحب ومجتمع عادي. أثر اجتماعي على بشر طبيعيين، بعيداً عن غسل الدماغ الأيديولوجي والتطرّف الأعمى. هذا ذكاء أيضاً.
المرأة قويّة في «بالحلال». بيتها مملكتها. قرارها من رأسها، وتنفيذه على يديها. كما «لبنى» و«بتول» و«عواطف» اليوم، كذلك «مريم» منذ سنوات. لا شكّ في أنّ فولادكار يجد إغراءً في «الحلول» الشرعيّة، والنساء القادرات. بيروت شخصية من لحم ودم. عاصمة مفعمة بالحياة والحركة والنّاس. أسلاك كهرباء متشابكة، كما علاقات أهلها. شوادر الشرفات وأباجورات النوافذ تأكيد على أنّ «البيوت أسرار».
في الفني، يقترب فولادكار من النفس التلفزيوني في المشاهد الداخليّة، قبل أن يتنفّس سينمائياً خارج الجدران (في الحالتين هو أفضل بمراحل من «لمّا حكيت مريم»). يدير ممثّليه باقتدار، فيقترحون أداءات جيّدة. صورة الألماني لوتز رايتماير تضجّ بالحيوية والألوان، بما يتفق مع خيار الكوميديا. موسيقى التونسي أمين بوحافة (عمل في «تمبكتو» (2014) عبد الرحمن سيساكو ومسلسلات تلفزيونية) تدخل بالعيار المناسب لخدمة الدراما. موطنته نادية بن راشد الآتية من عشرين عاماً من العمل مع سيساكو أيضاً، تكمل الأناقة بتوليف رشيق. المحصّلة فيلم لطيف قريب من مشاهده، ما يجعله مرشّحاً لجوائز الجمهور في المهرجانات المقبلة، ولشبّاك تذاكر مزدحم في العروض التجاريّة مع الربيع المقبل.