مشهد الهمجيّة بحق اللاجئين السوريين في لبنان، مخجل وفظيع. لم يستنكر مثقّف واحد كل هذا العنف، بل بالعكس، تواصلت تجارة الخوف والتعصّب والحسابات الدنيئة. هذه الهمجيّة تستند إلى أرضيّة صلبة في الخطاب السياسي لدى معظم الأطراف، وإلى واقع مهزوز يعتاش على الخوف والحرمان والتعصّب. الجماعات المتناحرة تختلف في كلّ شيء، وتلتقي على أبلسة اللجوء السوري من منطلقات مختلفة. وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد درباس لم يجد توقيتاً أنسب كي يتفضّل على الأمة بنظريته العبقريّة: «مئات آلاف السوريين الذين انتخبوا رئيسهم بوسعهم أن يعودوا!».
الوزير الذي احتضن أصدقاؤه «الثوار» حتّى امتدّت «ثورتهم» المجيدة إلى عرسال، يريد التخلص من السوريين الذين لا يعجبونه، تبعاً لمنطق عبثي واختزالي. بعض خصومه السياسيين، يرون الدواعش في كل مكان، وقد مُسّوا بهستيريا جماعيّة، فإذا بالقطعان الهائجة تنقض على اللاجئين العزّل «انتقاماً».
دماء الشهيدين علي السيّد وعبّاس مدلج في رقبة الطبقة السياسيّة الوضيعة والجبانة التي تحكمكم أيّها اللبنانيون الأشاوس. والشعب السوري الممزّق والجريح منها براء، هو الذي احتضن لبنان وأحب لبنان وبنى لبنان بالسخرة بيد عمّاله. هو الذي يعاني من الطاعون نفسه، والكابوس نفسه، وسط الخراب والمذابح وذهول الحداد. الارهابيون والتكفيريون من لبنان والسعودية وفلسطين وسوريا… لا يُلزمون شعوبهم، بل من ربّاهم ويموّلهم ويسلّحهم ويحتضنهم ويعبّئهم ويدرّبهم. أما آن أن ترتفع الأصوات الشريفة، من خارج الانقسامات السياسيّة، لتنتهر الجموع الهائجة؟ كفّوا يدكم عن إخوتكم، وتلفتوا إلى الخطر الحقيقي. السوريّون في بلدهم هنا، الآن، وكفى! عددهم أكثر من طاقة لبنان على الاحتمال؟ هذا ضعف دولتكم وعجزها عن التخطيط والتنظيم والحماية، وجبن القيمين عليها وحقارتهم. لن نعود إلى الوراء، سنتشارك العبء، واللعنة التي حلّت على منطقتنا. سنقتسم مع اخوتنا كسرة الخبز نفسها إلى أن يباد جراد الربيع العربي، وتعود دمشق، وتشعّ بنهضتها علينا وعلى العرب أجمعين.
3 تعليق
التعليقات
-
الأيام قادمةشكراً جزيلاً للأستاذ بيار على هذه الوففة الإنسانية والمنطقية والصحيحة ﻷنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح صدقني الحياة في لبنان ليست نزهة ولا مأثرة فهي تتطلب أمور كثيرة وحقيقة أن السوري لجأ إلى لبنان برغبة منه فهذا صحيح في بعض المواقف لكن بالنسبة للأطراف المعارضة أما باقي ما تبقى لجأ هرباً من الوضع الأمني وبحثا عن لقمة أصبح إيجادها صعباً ومستحيلا. أعتقد أن الشرفاء أمثالك في لبنان كثر ويجب أن يتحدوا وأن تكون لهم كلمتهم و أن يعملوا على تذكير اللبنانيين أن سوريا وقت عزها ورخائها هي حضن لبنان وسنده ومنفذه على العالم وملاذها الإجتماعي المعيشي.
-
مثل هذا القلم وأقلام أخرىمثل هذا القلم وأقلام أخرى تستصرخ مابقي من ضمير يجعلني أستعيد عشقي لبيروت الذي افتقدته منذ زمن بعيد حين كنت أراها بالفعل منارة الشرق حين احتضنت الكثر من المثقفين العرب حين كانت حكوماتهم تضيق ذرعا بحرية كلمتهم ،، في كل زيارة لبيروت كنت أرى تلك المدينة تبتعد عني أكثر وتضيع مابين "بونجور "حين أبدأ يومي فيها ومابين " " تانكيو "..... يابيروت قومي من تحت الردم وانفضي عنك غبار العنصرية فليس كلنا في الهم دواعش
-
رداً على عنصرية بعض اللبنانيينشكراً استاذ بيار على النضال ضد العنصرية في لبنان وردّاً على الحملات العنصرية المغرضة والبشعة ضد السوريين في لبنان والتي لا تعكس إلا فئة صغيرة لا تمثل الحب الذي يحمله الشعب اللبناني لأشقائه في محنتهم، هذه بعض المعلومات عن فضل سورية على لبنان ثقافياً وهي حيض من فيض: كان السوريون العنصر اللامع في الازدهار الثقافي اللبناني. وتجربة مجلة شعر نموذج عن هذه الفكرة، فقد أسسّها سوريون منفيون أو مهاجرون إلى لبنان هم يوسف الخال وأدونيس ومحمد الماغوط ونذير العظمة وفؤاد رفقة ومعهم رياض الريس وخالدة سعيد. ولا يمكن تصوّر نضارة الحياة الثقافية والفنية في لبنان من دون سوريين أمثال قسطنطين زريق وإدمون ربّاط ونزار قباني وغادة السمان وجبرائيل جبور ومنير بشّور وياسين الحافظ وجورج طرابيشي ورفيق خوري وصادق جلال العظم وعمر أبو ريشة وإنعام الجندي وحليم بركات والمطربة وداد وفريال كريم ومحمد محسن وجورج وسوف وورد الخال. اللافت ان أفضل ما كتب عن بيروت كتبه غير لبنانيين ربما كانوا فقدوا فردوسهم الأصلي، ووجدوا ما يشبهه، أو بديلاً منه في بيروت. قصيدة "ياست الدنيا يا بيروت" كتبها نزار قباني السوري. كمال ديب