البندقية | أعرق مهرجان سينمائي في العالم بحاجة ماسة إلى المفاجآت للحفاظ على النجاح الذي حققه في النسخة الماضية. منطق المقارنات ليس صحيحاً ما دام «مهرجان البندقية السينمائي الدولي الـ 71» في أيامه الأولى (يستمر حتى 6 سبتمبر).
مع ذلك، فإن النقد الذي تعرّض له فيلم الافتتاح «الرجل الطائر» للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، سيؤكد أنّه يصعب أن نتوقع له نجاحاً مشابهاً للنجاح الذي حققه فيلم «جاذبية» الذي افتتح الدورة الماضية، وحصد حصة كبيرة من جوائز الأوسكار، وأعاد الصرح الأعرق إلى أجواء التنافس على صدارة المهرجانات العالمية مثل «كان» و«برلين». صحيح أنّ «بيردمان» قدم مادة إعلامية جيدة من خلال جمع كوكبة من النجوم الكبار أمثال مايكل كيتون وإدوارد نورتون وايما ستون، إلا أنّ حظوظ المخرج المكسيكي كانت دون مستوى المنافسة على «الأسد الذهبي». يتناول «الرجل الطائر» أو «الفضيلة اللامتوقعة للجهل» حياة نجم سينمائي في منتصف العمر، يعاني من انحسار شهرته رغم أنه أدى في حياته الفنية دوراً بعنوان «الرجل الطائر» أكسبه نجومية واسعة، ويسعى إلى الحصول على دور جديد يعيد له المجد الغابر. لكن الشريط اكتظ بتفاصيل مملة لتشريح شخصيته المحورية بنفس ساخر تهكمي. صحيح أن إيناريتو صوّر أبعاداً عميقة في شخصية البطل وتناقضات حياته بصبغة سوريالية، لكن هذه الأبعاد مجتمعةً، هي ما أضعف بناء الفيلم، وجعلت حظوظ السينما الأميركية في نيل «الأسد الذهبي» تذهب إلى الأفلام الثلاثة الأخرى أبرزها «تسعة وتسعون منزلاً». خصّص المخرج الإيراني المقيم في أميركا رامين بحراني شريطه هذا للمهمشين اجتماعياً، وهم الشريحة التي يهتم بحراني بموضوعاتها وهمومها. يتناول بحراني قصة رجل أميركي يعيش مع والدته وابنه الصغير في مدينة نيو أورلينز، قبل أن يطردوا من الدار بسبب تأخرهم في دفع الإيجار.

يقارب أبيل فيرارا الأيام الأخيرة من حياة بازوليني

بعد عرض الفيلم، قال بحراني في مؤتمر صحافي: «هدفي كان التركيز على مشاعر الشخصيات، والرواية قد تحدث في بقاع مختلفة من العالم. وليس فقط في مدينة في فلوريدا، أي في كل مكان يهمين عليه الفساد الاقتصادي ويكون ذا طابع مؤسساتي منظم». الفيلم الأميركي الآخر المنافس على «الأسد الذهبي» يحمل عنوان «مانجل هورن» لديفيد غوردون غرين. ويؤدي آل باتشينو دور رجل مسن يعيش في بلدة صغيرة، يهتم بقطته ويتناول يومياً الطعام في مكان مختلف. لكن هذه ليست الصورة الحقيقية لمانجل هورن. إنّها مجرد قناع يضعه رجل ذو تاريخ أسود حافل بالجرائم. قبل أربعة عقود، تخلى عن امرأة أحلامه، من أجل مهمة كبيرة. وها هو في سن متقدمة يعيد التفكير في ذاك القرار. قصة حب عن أشخاص أضاعوا فرصاً في شبابهم كان لها أن تغير مسار حياتهم وتجعلها أقل مأسوية. «القتل المتقن» هو عنوان الفيلم الأميركي الآخر الذي يتنافس على «الأسد الذهبي بتوقيع المخرج والسيناريست النيوزلندي أندرو نيكول. ويتوقع النقاد أن يعود إلى ثيماته الأساسية أي فضاء علمي تخيلي مع نافذة نحو المستقبل والمشاغل الدائمة للانسان، مثل الأبدية والعدالة.
أما حصة الافلام الفرنسية في المسابقة الكبرى، فتبدو لافتة تفوق عدد الأفلام التي شاركت في «مهرجان كان». خمسة أعمال فرنسية تشارك في «البندقية» أبرزها «ضريبة الشهرة» لكزافييه بوفوا الذي يسجل عودته الى الإخراج بعد غياب أربع سنوات، أي منذ تحفته «آلهة وبشر». المخرج التركي فاتح أكين يشارك بفيلم «القطع» من إنتاج فرنسي ألماني ايطالي، وديفيد اولهوفن بفيلم «بعيداً عن الرجال»...
ولا بد أيضاً من الاشارة الى فيلم «بازوليني» للمخرج الاميركي الايطالي الأصل أبيل فيرارا. يتمحور الفيلم حول الأيام الأخيرة من حياة الشاعر والسينمائي الايطالي بازوليني الذي قُتل في ضواحي روما عام 1976. ثلاثة أفلام هي حصة البلد المضيف، والسينما الإيطالية لم تكن موفقة في السنوات الأخيرة في صيد الأسد الذهبي. مع ذلك فإن الحظوظ قائمة مع ثلاثة أفلام هي: «القلوب الجائعة» لسافيريو كوستانزو، و«Anime Nere»
لفرانشيسكو مونزي الذي يتناول حياة أعضاء عصابة. ويتنافس ماريو مارتوني على الأسد الذهبي بفيلمه الجديد «Il giovane favoloso» الذي يدور حول حياة الشاعر جياکومو ليوباردي.
في المسابقة الكبرى ذاتها التي يترأس لجنة تحكيمها السينمائي الفرنسي ألكسندر ديبلا، تتجه الأنظار الى «الليالي البيضاء لساعي البريد» للروسي الكبير أندريه كونتشالوفسكي، وفيلم «حمامة تحط على الغصن، دليل الوجود» للسويدي روي أندرسون وجميعها أفلام قوية ستتنافس على الأسد الذهبي. فيلم «حكايات» للمخرجة الايرانية رخشان بني اعتماد، يتنافس بدوره على الجائزة وبالطبع سيكون انجازاً كبيراً للسينما الإيرانية المستقلة إذا استطاعت بني اعتماد نيل «الأسد الذهبي» الذي سبق لمواطنها جعفر بناهي نيله على فيلمه «الدائرة» عام 2000. وثمة مَن يعتقد أنّ حظوظ المخرجة ضعفت في نيل «الأسد الذهبي» مع التصريحات التي أدلت بها في المؤتمر الصحافي. إذ قالت إنّ هدف الفيلم تسليط الضوء على الآثار المدمرة للحصار الاقتصادي على الشعب الإيراني، مشيرة إلى معاناة لأطفال المصابين بالأمراض الخطيرة ممن لا يجدون الدواء بسبب الحصار.
في موازاة المسابقة الرسمية، تحضر الأسماء الكبرى خارج المسابقة، مثل الصربي الشهير أمير كوستوريتسا الذي يقدم فيلماً مع تسعة مخرجين، يقدم منظوره الخاص للإيمان الديني.
التوازن بين الأسماء الكبرى في عالم الفن السابع واكتشاف المواهب الجديدة وتوفير انطلاقة عالمية من منصة المهرجان، هي الاستراتيجية التي راهن عليها فريق عمل ألبرتو باربيرا للحفاظ على قدرة المهرجان في التنافس مع المهرجانات المرموقة، خصوصاً أنه يقع من حيث فترة انعقاده بين مهرجانين مهمين: «كان» العريق المتربع على القمة، و«تورنتو» الذي نجح في السنوات الأخيرة في استقطاب افلام تحظى باهتمام السوق الأميركية.