القاهرة| ما زالت الرقابة تطارد مؤلفات نصر حامد أبو زيد بعد مرور أكثر من 5 سنوات على رحيله. أخيراً، احتجزت الرقابة المصرية «مدخل إلى السيميوطيقا» الذي أشرف عليه المفكّر المصري بالاشتراك مع سيزا قاسم، إلى جانب عملين آخرين من إصدارت دار «التنوير» البيروتية، هي «في مديح الحب» للفرنسي ألان باديو، ورواية «المبرومة» للروائي اللبناني ربيع جابر، وهي نسخة مختصرة من روايته الشهيرة «طيور الهوليداي إن».
من جهته، كشف مدير «دار التنوير» في القاهرة جوزيف رزق، أن الرقيب احتجز الكتب الثلاثة من دون تحديد سبب واضح، مشيراً إلى أن الجهات الرقابية قررت النظر في محتوى الكتب قبل البت في أمر مصادرتها النهائية أو الإفراج عنها. وأضاف رزق في بيان صحافي أنّ كتب الدار تُطبع في بيروت نظراً إلى جودة الطباعة، ثم تشحن إلى القاهرة، على أن يجري تسلمها من الجمرك بعد موافقة الرقابة. وقد وصفت أستاذة الأدب الفرنسي في «جامعة القاهرة» وزوجة الراحل أبو زيد ابتهال يونس الحادث بـ«مجرد احتجاز»، متمنية الإفراج عن الكتب المحتجزة. برغم صدور الطبعة الأولى لكتاب نصر أبو زيد في القاهرة عن دار «إلياس العصرية» منتصف الثمانينيات، فإن اسمه لا يزال «مقلقاً» لدى الأجهزة الرقابية، فيما يُرجح أن الرقيب شك في محتوى «مديح الحب» و«المبرومة» من الناحية الأخلاقية. والاحتجاز ليس الأول من نوعه تجاه نصر أبو زيد ومؤلفاته، فقد سبق أن خاض صاحب «التفكير في زمن التكفير» معركة عام 1993 بعدما قدّم بحث «نقد الخطاب الديني» بهدف الترقي في الجامعة، فانقلبت عليه الدنيا متهمة إياه بالطعن في ثوابت الدين، ورامية مؤلف «هكذا تكلم ابن عربي» بالكفر. انتهى الأمر يومها بحكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، ما اضطره إلى السفر خارج البلاد. بعدها دخلت مؤلفات نصر أبو زيد مع السلطات لعبة «القط والفأر»، بين المصادرة والاحتجاز الموقت ثم الإفرج عنها، وفي كلّ الحالات ظلّت الأسباب والدوافع واحدة. أما اسم سيزا قاسم شريكة أبو زيد في الكتاب المحتجز، فيعاني التهميش والإقصاء الإعلامي. وباستثناء الدراسات الأكاديمية فإن اسم مؤلّفة «بناء الرواية» لا يكاد يلمح أبداً. ومن ناحية ثانية، استضافت «التنوير» قاسم خلال الندوة التي أقامتها الدار للاحتفال بطباعة الأعمال الكاملة لإدوار الخراط.
أما علاقة الدار بأبي زيد فتمتد إلى بداية الثمانينيات، منذ نشر رسالته للماجستير في طبعتها الأولى عام 1982 بعنوان «الاتجاه العقلي في التفسير»، ثم أطروحة الدكتوراه عن «فلسفة التأويل» عام 1983.
اللافت في الحادثة أن الدار تحمل اسم «التنوير»، وهو المصطلح نفسه الذي لاكه وزير الثقافة الحالي جابر عصفور، خلال كتاباته في العقود الثلاثة الأخيرة، وتصدّر عناوين إصداراته منها «التنوير يواجه الاظلام»، «محنة التنوير» «دفاعاً عن التنوير» «أنوار العقل».
وتثبت حوادث المصادرة والرقابة منذ أن تولى عصفور حقيبة الثقافة، أمرين أولهما أنّ خطابات التنوير التي بشّر بها «ملفقة» وشجرتها تتعرض للذبول بل الموت كلما نمت قليلاً، بتعبير نصر حامد. وليس تدخل عصفور المتوقع قريباً، لإنهاء الاحتجاز، حلّا لإشكالية حرية الفكر وإبداء الرأي التي تعاني أزمة حادة منذ وصول الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى كرسي الرئاسة. إذ تبقى سلطة الاحتجاز أو الإفراج بيد النظام السياسي ومثقفيه. أما الأمر الآخر، فيتمثل في أن ما نصّت عليه المادة «50» من الدستور الجديد للبلاد باعتبار «الاعتداء على المنجز الأدبي والفني جريمة يعاقب عليها القانون» مجرد حبر على ورق.