مهرجان دبي: البحث في الهويّة والذات والحقب المظلمة

  • 0
  • ض
  • ض

صار «مهرجان دبي السينمائي الدولي» الحدث السينمائي العربي الأبرز، إذ رسّخ حضوره بنحو متزايد منذ انطلاقته عام 2004. لا شكّ أنّ رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة، ومديره الفنّي مسعود أمر الله آل علي، ومديرته الإدارية السيّدة شيفاني بانديا سعداء بذلك. بعد دورة ضخمة عام 2014، احتفاءً بالسنة العاشرة من عمر المهرجان، لجأ DIFF إلى إعادة هيكلة نفسه العام الفائت. ألغيت مسابقة «المهر الآسيوي ــ الأفريقي»، رغم الاستمرار باستكشاف وعرض سينمات مهملة من هاتين القارتين. قلّ عدد الضيوف. اختُصر بعض المصاريف في أكثر من جانب. في المقابل، عزّز المهرجان توجهه نحو السينما العربية، خصوصاً أنّ صندوق الدعم التابع له «إنجاز» يقف خلف العشرات من عناوينها سنوياً. عرضها في المهرجان تتويج لمراحل طويلة من العمل والتشبيك لتأمين كامل الميزانية. الإنتاج المشترك «جوكر» نجح «دبي السينمائي» في تأصيله وزيادة حضوره، منذ إطلاق «سوق دبي السينمائي» عام 2007. أصبح للسينمائيين والمنتجين العرب منصّة يتنفّسون من خلالها. يغزلون العلاقات ويقيمون الشراكات، لتخرج مشاريعهم إلى النور. كذلك، لا يمكن إغفال أنّ توقف «مهرجان أبو ظبي السينمائي» المفاجئ هذا العام، وقبله «ترايبيكا الدوحة السينمائي» عام 2012، كان «ربّ ضارّة نافعة» لمهرجان دبي (استمرّ صندوقا الدعم التابعين لهما). أضحى اللاعب الوحيد في منطقة تنمّي صناعتها وجمهورها كل يوم.

نحن بصدد 134 فيلماً من 60 دولة مختلفة
الدورة 12 من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (9 ــ 16 كانون الأوّل/ ديسمبر 2015) تعد ببرنامج حافل. بلغة الأرقام، نحن بصدد 134 فيلماً من 60 دولة، في زيادة عن دورة 2014 التي عرضت 118 شريطاً. السينما العربية تهيمن على أكثر من نصف العدد، منها 40 شريطاً في عرض عالمي أوّل، إلى جانب 9 أفلام تُعرض للمرّة الأولى دولياً. هذا دليل على إقلاع جديد بعد إعادة هيكلة المهرجان، والتكيّف مع خفض ميزانيته التي تبقى الأضخم على المستوى العربي. في المجمل، لدينا 55 فيلماً في عرض عالمي أو دولي أوّل، و46 في عرض أوّل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و11 عنواناً في عرض أوّل في الشرق الأوسط، و17 فيلماً في عرض خليجي أوّل. تنطق الأفلام بأكثر من 40 لغة، موزَّعةً بين مسابقات «المهر الإماراتي» (11 فيلماً)، و«المهر الخليجي القصير» (15 فيلماً)، و«المهر الطويل» (19 فيلماً عربياً)، و«المهر القصير» (15 فيلماً عربياً). برامج خارج المسابقة تتضمّن: «ليالٍ عربيّة» (12 فيلماً) الذي يهتمّ بسينمات الراهن العربي وهواجس مجتمعات المنطقة، و«سينما الأطفال» (5 أفلام) و«سينما العالم» (57 فيلماً) التي تجلب عدداً من أحدث إنتاجات الكوكب. الافتتاح لـ «غرفة» الإيرلندي ليني أبراهامسون. دراما دافئة عن علاقة أمّ (بري لارسن) بابنها (جاكوب تريمبلي)، انتزعت جوائز الجمهور من مهرجانات دولية، مثل تورونتو وفانكوفر ووارسو. «النقص الكبير» للأميركي آدم ماكاي يلقي تحيّة الوداع في المهرجان، مع الأزمة الماليّة العالمية، ونجوم من عيار براد بيت، وكريستيان بايل، ورايان غوسلينغ، وستيف كاريل. في «المهر الطويل»، يتصدّى السينمائيون العرب لأسئلة الراهن الشائك. يواجهون أشباحهم وهواجسهم. يكحتون الذاكرة الملتبسة، ويجلبون العاطفة والعشق إلى شريحة المجهر. البحث عن الهويّة والذات في عالم عربيّ متخبّط. العلاقات الزوجيّة التي تفتح الأسئلة على ما هو أكبر، انطلاقاً من الخاص إلى العام، ومن الفردي إلى الجمعي. نبش الحقب المظلمة في بلدان مستقرّة. عرض جديد صناعة السينما المتنامية في الخليج العربي، إذ يتطوّر مخرجون أنهوا دراسة أكاديمية، وراكموا خبرات وأسئلة وهواجس. جديد محمد خان «قبل زحمة الصيف» من العناوين المنتظرة. أحد روّاد الواقعية الجديدة في السينما المصرية يعد بدراما لاذعة لا تعرف المجاملات. قبل ازدحام الساحل الشمالي، يلتقي الزوجان المحبطان «د. يحيى» (ماجد الكدواني) و«ماجدة» (لانا مشتاق) بالمترجمة المطلقة حديثاً «هالة» (هنا شيحة)، ليطفو ما تحت الجلد على السطح. نبقى مع قنابل العلاقات الزوجيّة في «شبابيك الجنّة» لفارس نعناع. التونسي يدوّن الروائي الطويل الأوّل في الفيلموغرافيا الخاصّة به، إثر شرائط قصيرة عدّة. في المقابل، يجد الحب بين «آلان» و«غونا» رئةً في «كلاسيكو» هالكوت مصطفى. السينمائي العراقي يرجع بعد الروائي الطويل الأوّل «قلب أحمر»، مقترحاً «فيلم طريق» يحاول الوصول للبرتغالي كريستيانو رونالدو، إرضاءً لوالد الحبيبة العاشق لنادي «ريـال مدريد» الإسباني.
عزّز المهرجان توجهه نحو السينما العربية
السينما الكرديّة منتظرة دائماً في التظاهرات السينمائية.Road Movie آخر يقترحه الأردني رفقي عساف، بعد مجموعة من الشرائط القصيرة إخراجاً وتأليفاً. رجل فلسطيني من أصل أردني يعاني من «الرهاب الاجتماعي»، ويعيش داخل سيّارة «ميني فان»، صمّم ديكورها بنفسه. المغربي المثير للجدل والإعجاب هشام العسري يصل بجديده «جوّع كلبك»، بعد عرض أوّل في «مهرجان تورونتو». كالعادة، نحن بصدد شريط إشكالي أسلوباً ومضموناً. ينبش «سنوات الرصاص» في المغرب، من خلال وزير الداخلية السابق إدريس البصري الذي كان الذراع القمعية القذرة للمملكة. تلك الحقبة لم تعد محرَّمةً على السينما المغربية. ها هو «ثقل الظل» للحكيم بلعباس، يروي قصّة أب وأم، في التسعينيات من عمريهما. العجوزان يعيشان على أمل معرفة مصير ابنهما البكر الذي اختُطف في ذلك الوقت. دانيال عربيد لا تساوم كالعادة في جديدها «باريسية». تقلع مع الشابّة «لينا» إلى باريس التسعينيات، للبحث عن حريّة لم تعرفها في لبنان. عربيد تواصل تقديم سينما كنصل السكين، كما عوّدتنا في «معارك حب» (2004)، و«رجل ضائع» (2007)، و«بيروت بالليل» (2011). هالة خليل تنتصر للمهمّشين في «نوّارة». السينمائية المصريّة تعود بعد أفلام لافتة مثل «أحلى الأوقات» (2004) و«قص ولزق» (2006). رحلة فتاة في البحث عن هوّيتها على خلفيّة سياسيّة ملتهبة، ما يجمع «روحي» للبنانية جيهان شعيب، و«على حلّة عيني» للتونسيّة ليلى بوزيد. كلتاهما تسجّلان الروائي الطويل الأوّل في مسيرتهما. الأولى تنكأ جروح الحرب الأهلية، من خلال راقصة باليه شابة، تطير من باريس إلى بيت العائلة المهجور في بيروت. الثانية ترصد تفتّح وعي فتاة قبل اندلاع الثورة ببضعة أشهر. الذاكرة اللبنانية تنزّ مجدداً في الوثائقي «23 كيلومتر» لنورا كيفوركيان. السوريّة عفراء باطوس تؤفلم هواجسها، على وقع الجرح السوري النازف في الوثائقي «جلد». «دبي السينمائي» ما زال متمنّعاً على الإنتاجات السورية الرسمية. البحث عن الذات سيحوم حول ظلام السجون، وبين عظام القفص الصدري في رؤيتين فلسطينيتين: «المدينة» لعمر شرقاوي صاحب الشريط اللافت «أبي من حيفا» (2009)، و«3000 ليلة» لمي المصري التي ترافق «ليال» داخل سجون الاحتلال. «موج 98» للبناني إيلي داغر يتربّع على قمّة العناوين المرتقبة في «المهر القصير». الأنيماشن الذي انتزع السعفة الذهبية للأفلام القصيرة في الدورة الأخيرة من «مهرجان كان السينمائي الدولي»، يغوص في جوّانيات الشاب «عمر»، وأسئلته الملتبسة حول بيروت. هو مسكون بالتأمّل من فوق، وتوسل عالم مواز يقضي على رتابة أبدية في المدينة. جديد يحيى العبد الله «الطابق الخامس غرفة رقم 52»، يقترح موعداً غرامياً صامتاً بين «ليلى» وأحد عمّال البناء. العبدالله يرجع بعد الروائي الطويل اللافت «الجمعة الأخيرة» (2011). المصري شريف البنداري يحضر بشريط مثير للاهتمام هو «حار جاف صيفاً». لقاء عروس في طريقها للتزيّن، مع عجوز مصاب بالسرطان، لن يكون عادياً في صيف القاهرة. صاحب الروائي القصير «صباح الفل»، يعدّ لشريط طويل مرتقب هو «أوضتين وصالة»، عن رواية إبراهيم أصلان، ومع محمود عبد العزيز أمام الكاميرا. الراحل عمر الشريف يمضي دقائقه السينمائية الأخيرة في «ألف اختراع واختراع وعالَم ابن الهيثم» لأحمد سليم. هذه تحيّة للعالم الشهير، وإسهاماته الجليلة في البصريّات. من الأفلام المنتظرة في «المهر الإماراتي» يبرز «زنزانة» لماجد الأنصاري. رحلة من الجنون والهلوسة وفقدان العقل بين سجّان وموقوف. الأنصاري تدرّب في لوس أنجليس، ونال سمعةً طيبةً عن شريط قصير بعنوان «الدخيل» (2012). إيفا داود تنافس على «المهر الخليجي القصير»، من خلال فيلمها الجديد «سارق النور». ممثّلون إسبان ينقلون أسئلة الحب والروح، في مزيج بين الواقع والأسطورة. سجل المخرجة السورية ــ البحرينية حافل بالجوائز والمشاركات الدولية. في برنامج «ليالٍ عربيّة»، يبرز جديد الفلسطيني هاني أبو أسعد «يا طير الطاير». بيوغرافيا عن نجم «آراب آيدول» محمد عسّاف منذ طفولته في غزّة، مروراً بكفاحه لتحقيق حلمه. بالإضافة إلى ورشات العمل وجلسات النقاش، ينظّم المهرجان حواراً مفتوحاً مع النجم المرشّح للأوسكار جايك جلينهال، الذي سيحصل على جائزة «نجم العام» من مجلة «فارايتي». كذلك، يشهد حفل الافتتاح منح جائزة «تكريم إنجازات الفنانين» لأربعة ممثلين: الفرنسية كاثرين دونوف، والمصري عزّت العلايلي، والتونسي ــ الفرنسي سامي بوعجيلة، والهندي نصر الدين شاه.
«مهرجان دبي السينمائي الدولي»: من 9 حتى 16 كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي. www.dubaifilmfest.com

  • من فيلم «باريسية» للبنانية دانيال عربيد

    من فيلم «باريسية» للبنانية دانيال عربيد

0 تعليق

التعليقات