قبل أسبوع، اجتمع عدد من الباحثين والمفكرين في «معهد المعارف الحكمية» في بيروت ليتناقشوا في الفارق بين «المثقّف» و«المفكّر» و«الملهِم» بدعوة من مدير المعهد الشيخ شفيق جرادي. طرح الأخير مجموعة من الأسئلة حول الفارق بين المصطلحات التي يخلط الإعلام بينها دوماً، وما إذا كان ممكناً أن يسمّى الايديولوجي والمبلغ الدينيّ مثقّفاً؟ ثمّ ماذا عن الملهِم الذي يقدّم نموذجاً حركيّاً قد يؤثّر في شريحة واسعة من البشر مثل غاندي؟
حول هذه التساؤلات، دار النقاش بحضور عدد من الباحثين والكتاب والمهتمين بالشأن الثقافي أمثال الكتّاب نصري الصايغ وأحمد ماجد ويحيى فرحات وعلي زيتون ومحمود حيدر وبلال اللقيس... قدّموا هؤلاء عدداً من التعريفات والآراء المتباينة في نقاش دام ساعتين.
وصف الصايغ المفكّر بأنّه «مَن ينتج فكراً في مقابل الفيلسوف الذي ينتج الحقائق التي تتحوّل إلى سلطة غالباً ما تُفرض وتمارس علينا بدكتاتوريّة، في حين أنّ المثقّف لا ينتمي إلا عرضاً لعالم الأفكار وعالم الحقائق، فهدفه هو الالتزام بالحياة، ولا تهمه الحقائق والأفكار بقدر ما يراها حقائق مناسبة، وكبار المثقفين كانوا سفسطائيين لا يؤمنون بحقيقة، لكنهم يؤمنون بقضية».

وصف نصري الصايغ المثقف
بأنّ هدفه هو الالتزام بالحياة

قابل هذا الرأي بعض الباحثين مثل بلال اللقّيس الذي رأى أنّ كل كلمة تصدر من مثقف كان أم مفكّراً أم فيلسوفاً تمتلك سلطة. أما المفكّر فيختلف عن غيره باستخدامه منهجاً في التفكير. واعتبر علي زيتون أنّ عملية التفكير لا يمكن أن تخرج من دائرة الفكر الغربي لأن العقل الإسلامي لا ينتج. رأي عارضه فيه كبير الباحثين في «معهد المعارف الحكميّة» أحمد ماجد، مستشهداً بآثار الخواجة نصير الدين الطوسي، والمدرسة الصدرائيّة وغيرها من الأعمال الفكريّة التي ما زالت حتى اليوم مطروحة على طاولة البحث وتتناولها مباضع التشريح الفكري.
المميّز بين المثقّف والمفكّر وفق بعضهم أنّ الأوّل ميدان عمله هو الواقع والتحدّيات التي تواجهه، ومن هنا فهو مبدع من خلال الإشكاليّات التي يطرحها، والنقد الذي يمارسه. أمّا المفكّر، فمجال عمله هو الأفكار، وبالتالي قد يكون منفصلًا عن الواقع، كما قد تكون أفكاره مثاليّة. في حين أنّ الملهم يجمع الميدانين معاً، فيجسّد الواقع من خلال الأفكار التي يحملها.
في الختام، أعلن الشيخ شفيق جرادي بأنّ الهدف من هذا اللقاء كان إيجاد بيئة حواريّة بين أصحاب التوجّهات الفكرية المختلفة، متسائلاً: «لماذا لا يمكن أن يقوم حوار اليوم يجمع العلمانيين وأصحاب العقائد الدينية يتناول بعض المواضيع الخلافية بعيداً من الصخب الإعلامي؟».


* تقيم «دار المعارف الحكمية» توقيعاً وحلقة نقاشية حول كتاب «الإمام الخميني: جدلية المعرفة الزمنية والحضورية» لمؤلفه هادي قبيسي. اللقاء الذي يقام في الخامسة عصر اليوم في «سان تيريز» (مجمع المجتبى) يشارك فيه الباحثون حبيب فياض، والشيخ محمد زراقط، وخنجر حمية.