الوحشُ يَتَدَبّرُ شؤونَ عُزلتِه.الحشرةُ تَتَدبّرُ أمْرَ حياتِها (ما بالُكَ باليَرَقةْ!).
الطيورُ تتدبّرُ أمرَ سماواتِها
والدودةُ تتدبّرُ أمْرَ الترابْ.
ما نفْعُ الإنسان؟ ما نفعُ هذا الإنسان
إذا كان لا يستطيعُ حتى أنْ يكون وحيداً؟
ما نفعُ الأقوياء؟...

*
لشِدّةِ ما أنا وحيدٌ وحزين
صرتُ أُدَلِّلُ الوردةَ، وأَحتضِنُ الموسيقى.
إذْ ألمسُ ورقةَ العشبِ أرتعش،
وإذْ أُبصِرُ الطائرَ أقولُ: آهْ!...
*
يا لبهاءِ الموسيقى! يا لطهارتِها!
مِن شِدَّةِ ما هي «لا شيء»
حينَ تقعُ في سماءِ الكون
تَرِنُّ كنقطةِ دمعٍ
وقعتْ في إناءِ الأبديّةْ.
*
الموسيقى آلةُ دمعٍ، وحاضِنةُ دمع:
هي الأمُّ الأولى.
.. ..
الآن أعرفُ لماذا
صرتُ قاحلاً ومخيفاً إلى هذه الدرجةْ:
نَسِيْتُ الموسيقى.
*
في الكثيرِ ممّا عَمِلَه،
في الكثير ممّا حَلُمَ أنْ يعملَهْ،
كان «ميكل آنجلو» يودُّ أنْ يقول:
حتى اللّـهُ يمكنُ لَمْسُهْ.
إذا أردتَ أن تلمسَ الحنانَ بأصابعكْ
أَنصِتْ إلى الموسيقى!
.. ..
هل حاولتَ الإنصاتَ إلى رنّةِ حبّةِ الهواءِ في الهواء؟
:الموسيقى تُساعدُك.
*
كلُّ أصنافِ الآلهةِ والعقائد
عجزتْ عن تقديمِ العَوْن.
الموسيقى قادرةْ..
الموسيقى كُليَّةُ القدرةْ.
*
في تأويلِ الدمعِ، تَذَكّرْ:
الدمعةُ بِنْتُ اثنينْ...
فائضِ جمالٍ، أو فائضِ قسوة.
بين دمعةِ هذا ودمعةِ تلك
ليس إلّا ماءُ الحياةِ العَكِرْ.
.. ..
دمعتُكَ سِرُّكَ ومغزاك.
إنْ أَفْشَيتَها أَفْشيتَ قلبَك.
اِبحثْ لها دائماً
عن الحضْنِ اللائقِ
والقلبِ المِضياف.
*
ها هيَ ذي الموسيقى تَدْخلُ البيتْ.
تَخيَّلْ!
لم يَعُدِ الفِراشُ فارغاً وموحِشاً (ولا الحياة).
العالَمُ كلُّهُ أضاء..
العالمُ كلُّهُ يَضحكُ ويَتَدفّأُ
على أنفاسِ الموسيقى.
*
يومَ نسيتُ الموسيقى
لم أَجدْ ما أُسَلّي بهِ نفسي غيرَ صناعةِ السيوف
وتَفْصيلِ النعوشِ لمن أتَهيَّأُ لذبْحِهم.
*
يستحيلُ أنْ تَصيرَ الموسيقى نشيداً.
الموسيقى عَلَمٌ أبيض..
علمٌ أبيض على سطحِ القلعةْ..
علمٌ أبيض على سطحِ الأكوانِ والأزمنةْ.
*
أستطيعُ تَخَيُّلَ العالمِ بدون أرخميدس، بدون أينشتاين، بدون ناسا وديسكَـﭭَري والبنوك المركزيةْ.
لكنني أَعجزُ دائماً عن تَخَيُّلِ الصورةِ التي
كان من الممكن أنْ يكون عليها العالمُ بدون «باخ»
(أعجزُ عن تَخَيُّلِ العدمْ).
تسألني: وما «باخ»؟
أقولُ لك:
تَخَيَّلِ اللؤلؤَ سائلاً!
تخَيَّلْ حبّةَ اللؤلؤ
حين كانت لا تزالُ دمعةً
تَتَقَطَّرُ مِن حَدَقةِ محارتِها!
باخ ليس صائغَ لآلئ.
:هو ذارِفُها.
*
أنصِتوا! أنصِتوا!
: الموسيقى تَبكي.
شيئاً فشيئاً يوشكُ الهواءُ (هواءُ العالمِ كلُّهُ)
أنْ يَصيرَ دموعاً وصمتاً.
أنصِتوا!
: أنفاسُ «باخ»
تملأُ سماواتِ العالم.
*
أبداً! ما مِن كلمةٍ تَصِحُّ على الموسيقى
أكثرَ مِن كلمةِ «عَوْن...».
.. ..
يا أيتها الموسيقى!
أيتها الأُمُّ الموسيقى:
أَعِيْنِينا!
27/10/2012