تنظم جمعية «نحو المواطنية» بالاشتراك مع «جمعية متروبوليس» نسختها الثانية من «مهرجان عوالم متشابهة» التي تحمل عنوان «أسبوع أفلام الانتخابات». بين 28 آب (أغسطس) والثاني من أيلول (سبتمبر)، تعرض «متروبوليس أمبير صوفيل» مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية التي تتناول موضوع الانتخابات ونضال الشعوب ضد الأنظمة الديكتاتورية وقمعها ومصادرتها الحرية.
هذه المبادرة التي نتجت عن تعاون مشترك بين «نحو المواطنية» و«الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات»، تهدف إلى الإضاءة على تجارب شعوب في بحثها عن الديمقراطية، وتحاكي أزمة العالم العربي المتنازع بين الديكتاتوريات المتعاقبة والفساد السياسي، وخصوصاً الشأن اللبناني في ظل الانتخابات النيابية المعلقة.
الفيلم الافتتاحي للمهرجان «لا» للتشيلي بابلو لاران (2012 ـ 28/8) الذي رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2013، يتناول الدور الذي لعبه الإعلام في إنهاء حكم الديكتاتور بينوشيه في نهاية الثمانينيات إبان حملة «لا» و«نعم» التلفزيونية التي جرت تمهيداً للاستفتاء الشعبي حول رفض أو قبول التمديد لحكمه. الحكومة التي كانت ترزح وقتها تحت الضغط الدولي المتزايد الذي يتهمها بالديكتاتورية خصّصت للمرة الأولى مساحة 15 دقيقة كل يوم على الشاشة للأصوات المعارضة للحكم لتعبر عن نفسها بحرية تحت شعار حملة «لا» مقابل الأصوات المؤيدة له تحت شعار حملة «نعم».

«راي مخفي» يروي قصة إيرانية تسافر إلى الصحراء لجمع أصوات الناخبين في المناطق النائية

تلجأ المعارضة إلى رينيه (غاييل غارسيا برنال) الخبير المختص بالدعاية بهدف تنفيذ حملة «لا». يذهب رينيه إلى خيارات غير تقليدية. ففي حين قد يبدو الخيار الأكثر بديهية هو توثيق معاناة الشعب التشيلي جراء العنف الذي تمارسه الشرطة وعمليات الخطف والاعتقال غير المشروعة، يقترح رينيه رؤية مختلفة تقوم على التعامل مع هذه المعاناة كأي منتج دعائي يجب إيجاد الطريقة المناسبة لترويجه. يلجأ إلى الكوميديا والأغاني والشعارات المطمئنة كما «السعادة آتية» على نمط يبسط مفهوم الديمقراطية ويجعلها أشبه بدعاية «كوكا كولا» أو منتج جديد آت من الغرب لجذب الناس إلى حملته وإقناعهم بالتصويت ضد بينوشيه وكسر حاجز الخوف في النفوس، منتصراً على بروباغندا الديكتاتور عبر استعمال أداة تجميل الحقيقة نفسها ولو لهدف مغاير. قد تبدو هذه المقاربة مثيرة للجدال من الناحية الأخلاقية، لكنها تطرح أيضاً تساؤلاً مهماً حول الدور الأساسي للدعاية والترويج وتأثيرهما في مجتمع اليوم وربما ضرورتهما في إنجاح أي قضية ولو كانت محقة. يمزج المخرج بين الدراما والوثائقي، مسيراً الأحداث من وجهة نظر بطله رينيه الذي يتسم بحياديته الظاهرية ولا يطابق شخصية البطل بمواصفاته الذكورية التقليدية. تبدو امرأته التي تشارك في التظاهرات وتتعرض للضرب أكثر شجاعةً منه، محمّلاً بطله التناقض نفسه الذي تعكسه الأفكار التي يطرحها الفيلم. من جهة أخرى، يأتي وثائقي «أرجوك صوت لي» (2007 ـ 30/8) لويجان شن والفيلم الروائي «راي مخفي» (2001 ـ 31/8) للإيراني باباك بايامي ليعبرا عن تجارب مختلفة أكثر خصوصية، ولو أنها تتشابه في رمزية القصص التي يتناولانها وبساطتها الذكية. في إطار طريف، يروي «أرجوك صوت لي» كيف يتعرف أطفال في صف الثالث ابتدائي إلى مفهوم الانتخابات والصراع من أجل السلطة من خلال تجربة الانتخابات الديمقراطية التي تجرى للمرة الأولى في مدرسة في الصين لانتخاب رئيس للصف. عبر هذه المفارقة، يعبّر المخرج عن كل التناقض الذي يمثله مفهوم الديكتاتورية الديمقراطية في جمهورية الصين الشعبية اليوم المتنازعة بين الاشتراكية والرأسمالية والفردية والجماعية. عبر هذا النموذج المصغر، نرى كيف يتحول تدريجاً هؤلاء الأطفال البريئون الذين لا يدركون مفهوم السلطة إلى سياسيين محنكين مستعدين لشتى أنواع الألاعيب للوصول إليها كالرشوة أو الكذب بتحريض من أهاليهم الذين يزرعون فيهم التنافس ومفهوم الربح والخسارة. بدقة، يراقب المخرج تفاعل الأطفال فيما بينهم أو مع أهلهم، عارضاً التفاصيل المعبرة والكوميدية وأحياناً التراجيدية في آونة واحدة، من الطفل الذي يتدرب بكل جدية على الخطاب الرئاسي الذي كتبه له أهله وهو بملابسه الداخلية إلى الطفلة المرشحة الصغيرة التي تتم مهاجمتها من قبل زميلها المرشح الآخر بسبب بطئها في تناول الطعام. يصوّر السينمائي الضغط النفسي الذي يعيشه الأطفال لإثبات أنفسهم وانخراطهم في الدور الذين يلعبونه إلى درجة تصديقه. أما الذي يفوز في النهاية، فهو الديكتاتور الصغير الذي يضرب الأولاد ثم يرشيهم بحسب نصيحة أبيه ظابط الشرطة. أما الفيلم الإيراني «راي مخفي» فيروي قصة امراة تسافر إلى الصحراء لجمع أصوات الناخبين في المناطق النائية، حاملة معها ذلك الصندوق الذي يمثل الديمقراطية كما تعرّف عنه للناخبين لإقناعهم بالتصويت. لكنها ستصطدم بعالم آخر له قوانينه وأفكاره الخاصة. عبر الشخصيات التي تقابلها والأشخاص الذين تلاحقهم لأخذ أصواتهم في إطار كوميدي، تواجه البطلة كل النظم الذكورية التي لا تزال مسيطرة وتناقض كل مفاهيم الديمقراطية كمنع النساء من التصويت من دون أخذ إذن أزواجهن. هو تلاق بين عالمين يحدث عبر هذه اللقاءات... هذا المكان النائي الذي يمثّل ببساطة شخصياته وسذاجتها كأنما الحقيقة عارية من أي تسييس، وعالم البطلة الآتية من المدينة بأفكار ومفاهيم حالمة على وشك أن تتبخر تحت شمس الصحراء الحارقة لتكتشف سذاجة ما تعتقد به. يؤسس المخرج للغة سينمائية يجسد فيها مفهوم العزلة عبر جمالية خاصة يسكتشف فيها الصحراء النائية. تبدو الشخصيات تائهة ضمنها لا ترافقها إلا ظلالها السوداء المنعكسة على الرمل تحت الشمس الحارقة والريح التي تعيد تشكيل هذا المكان حيث الديمقراطية تبدو كواحة من الوهم تبحث عنها البطلة ولا تجدها. في اختتام المهرجان، سيُعرض الفيلم الروائي «المرشح» (1972 ـ 2/9) لمايكل ريتشي وبطولة روبرت ريدفورد وبيتر بويل وملفن دوغلاس علماً أنّه حاز جائزة أوسكار أفضل سيناريو عام 1973.

* «أسبوع أفلام الانتخابات»: من 28 آب (أغسطس) حتى 2 أيلول (سبتمبر) ـ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080



الديمقراطية الأميركية

ضمن «أسبوع أفلام الانتخابات» أيضاً، يعرض وثائقي «انتهت الحفلة» (2001 ـ 29/8 ) من إخراج ريبيكا شيكلن ودونفن ليتش ج. آر. الشريط الذي يظهر فيه فيليب سيمور هوفمان وبن هاربر ونوام تشومسكي يناقش وينتقد مفهوم الديمقراطية في أميركا وطريقة عمل النظام السياسي. أيضاً، يعرض وثائقي «القضية واستغلالها» (2012 ــ 30/8) من إخراج دورين بران وجوليان مونييه. ويتناول الانتخابات البلدية التي جرت في كوربي أوسون في فرنسا عام 2008 ثم أُبطلت بسبب اتهام العمدة المنتخب سيرج داسو بالغش. أما وثائقي «انتخابات أفريقية» (1/9 ـ 2011) لجارث وكيفين ميرز، فيرصد الانتخابات الرئاسية التي جرت في غانا 2008، مصوراً صراع البلد للخروج من ماضيه الاستعماري والمضي قدماً في انتخابات حرة و ديمقراطية.