(ياسر أحمد ــ سوريا)
منذ صعود نجم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) قبل سنة ونصف السنة تقريباً، اعتادت أسماعنا وأبصارنا على أشرطة الرايات السود وأرتال الشاحنات المدججة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، تحت وقع الأناشيد «المبشرّة» بالخلافة الإسلامية وباقتلاع كل من يقف في وجهها. التنظيم الإرهابي جعلنا أيضاً نألف مشاهد الموت والذبح من سوريا الى العراق، حتى باتت رديفته وشعاره. عرف التنظيم جيداً كيف يتقن لعبته الإعلامية والترويجية ويمسرح أفعاله الإجرامية بحق الأبرياء، حتى بدا للرائي أن المشهد أمام عينيه مقتبس عن فيلم هوليوودي متقن الصنعة والإخراج في قالب دموي يندى له الجبين. هذا إن لم نأخذ تجنيد الأطفال الصغار وحملهم ونطقهم «بعقيدة» الداعشيين في مشهد قد يفوق أي تصور إنساني.

أشرطة المشاهد الدموية القاسية والترويج لها بوتيرة سريعة، شكلا جزءاً أساسياً من كسب المعركة. على الطريقة الجنكيزخانية، يكفي تصوير الترويع والمجازر والإبادات الجماعية لمنطقة معينة حتى تسقط المدينة التي تليها من دون مقاومة. وهنا تقنية الحرب النفسية التي تشكل نصف المعركة الميدانية العسكرية. رغم تصوير أفراد «داعش» على أنهم كائنات متخلفة تمارس طقوس العصور الوسطى أو الحجرية بتصرفها ووحشيتها وتعاملها مع المرأة وبيعها في سوق النخاسة، الا أنّ إدارة التنظيم المتطرف لا تأتي من أناس عاشوا في غابات الأمازون أو من هواة، بل إنّ كل الدلائل تشير الى خلاف ذلك. أفرادها وقادتها سرعان ما تغلغلوا في شبكات التواصل الاجتماعي وجذبوا آلاف المتابعين لهم، واستطاعوا التمركز ضمن هذا الجسم. ومن خلاله، نجحوا في الترويج لاستراتيجياتهم بسهولة فائقة وجعل أخبارهم تحتلّ الصدارة. كانت خطتهم الإعلامية محكمة وواضحة الأهداف والاستهداف، خصوصاً على تويتر من خلال التوجه الى فئات عمرية معينة، أو مناطق وشرائح محددة كما حصل في العراق مع غزو التنظيم بعض مدنه ونجاحه في إثارة الذعر في صفوف الجيش العراقي أو السكان أنفسهم من خلال فقط التغريدات والهاشتاغات المحددة. منصات التواصل الاجتماعي لم تكن فقط للترويج ونشر الفيديوات الدامية ورسائل التهديد، بل كان لها منحى أخطر الى جانب الاستقطاب، هو جمع بيانات المستخدمين كما أغلب الشركات المخابراتية وتحليل توجهاتها والعمل على استقطابها وفهم حاجاتها. هذه المنابر بطبيعة الحال تشكل وحدة قياس للمزاج العام، خصوصاً المعارض لهذا التنظيم الإرهابي الذي يتكئ بالطبع عليه كي يصوغ لاحقاً ردوده على هؤلاء المعارضين.
لم تموّه القنوات المشاهد الوحشية
من إعدامات ميدانية
بل نشرتها وأعادت
نشرها مراراً


هذا النجاح «الذاتي» وأيضاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاقاه الإعلام التقليدي بأحسن منه. قدمت هذه المنابر خدمات التسويق والترويج لـ «داعش» بشكل فعّال من خلال تبني عن قصد أو غير قصد استراتيجيته الإعلامية وسرّعت في تمدده أكثر من خلال إعادة نشر مواده من أشرطة وبياناته من كل حدب وصوب. الفخ الداعشي الذي وقعت فيه وسائل الإعلام المحلية والفضائية أسهم في تضخيم هذا التنظيم و«انتصاراته» في معاركه. دخلت هذه المنصات في لعبة «داعش» وأسهمت مساهمة كبيرة في الترويج لسياساته وفكره. طبعاً الإشكالية الدائمة التي تحضر هنا، هي أنّ هذه الوسائل لا تستطيع تجاهل هذه الأحداث ومقاطعتها. لكن حتى مع هذا النشر، لم يتصرف بعضهم مهنياً عبر تمويه المشاهد الوحشية من إعدامات ميدانية، بل نشرها وأعاد نشرها بطرق مطردة، بل تباهى العديد منها بالسبق الصحافي في حال عرض شريط بشكل حصري!
أخبار هذا التنظيم واشرطته وبياناته شكلت طبقاً دسماً على موائد وسائل الإعلام التقليدية والمواقع الإلكترونية. باتت بعض المواقع كـ tayyar.org تمطر صفحتها بتغطية وافية شافية كافية عنه، خصوصاً بعد غزوه للموصل وتعرض العراقيين المسيحيين للاضطهاد والقتل، ما استغله القائمون على الموقع للبروز أكثر واستخدام الخطاب التخويفي للمسيحيين بغية استقطابهم.
الإعلام الداعم لـ «داعش» والمعارض له، كلاهما استُخدم بطريقة من الطرق لخدمة الخطة الداعشية. لكن من الوجوب بمكان التوقف عند الإعلام المعادي لـ «داعش» الذي لم يبن استراتيجية تقيه الترويج للتنظيم، وتسهم في كسر شوكته إعلامياً. على سبيل المثال لا الحصر، أطلت «المنار» يوم الأحد الماضي، بتقرير لمراسلها حسن حمزة بعنوان «إجرام داعش لا حدود له». شريط يعيد جمع كل ما «أنجزه» وسعى له «داعش». شريط دموي كارثي عنيف لإعدامات التنظيم أراد من خلاله المراسل تعريف المشاهد إلى هذه السلوكيات الهمجية. لكن هل نحتاج فعلاً الى تعريفه بعد مرور سنة ونصف السنة على بروزه؟ شريط في المحصلة لا يعدو كونه أداة تسويقية جديدة تضاف الى سجل «داعش». وإذا كان الهدف هو التأثير النفسي وحشد المعارضين بشكل أكثر، فإنّه لم ينجح في ذلك لأنّ معظم النظريات السيكولوجية في هذا الموضوع تؤكد حصول العكس، فتكرار الوحشية لا يولد سوى البلادة.
وواقعاً، نجح التنظيم في بسط سياسة التخويف والتهويل وخلق مناخات متشددة متعصبة شبيهة به، من خلال النجاح في تقوقع الجماعات المعادية له على بعضها بعضاً كالقبائل خوفاً من الاستهداف وحماية لنفسها وبالتالي كسر أي لحمة قد تنشأ مع النسيج الذي تعيش فيه.




في تحليل الوحشية

يوم الاثنين الماضي، نشرت صحيفة «تليغراف» البريطانية دراسة للإختصاصي في علم النفس إيان روبرتسون (الصورة) حول وحشية «داعش» بعدما عزاها الغرب عموماً الى «الفكر الأصولي الإسلامي». بعد إيراده مجازر البوسنة والإبادات الجماعية في رواندا وكمبوديا وغيرهما، أكّد الكاتب أنّ هذه الهمجية لا يمكن أن تعود الى أصول دينية أو ايديولوجية واحدة. وشرّح هذه الوحشية بخمسة بنود أبرزها: الذوبان في المجموعة، والعيش من خلالها والتضحية من أجلها، واعتبار كل من هو خارجها «كائنات مختلفة»، والأهم هو الخضوع الى القادة وتلبية ما يؤمرون به.


http://www.almanar.com.lb/adetails.php?fromval=1&eid=937242