القاهرة | لا أحد ينكر الموهبة الكبيرة التي تمتّع بها رسام الكاريكاتور المصري مصطفى حسين الذي رحل أوّل من أمس بعد حياة مليئة بالتحوّلات والانتقال من مؤسسة صحافية إلى أخرى. طوال هذه الرحلة، ظل حسين أحد أهم رسامي الكاريكاتور السياسي والاجتماعي، قبل أن يرحل بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 79 سنة. ولد مصطفى حسين في 7 آذار (مارس) عام 1935، والتحق بقسم التصوير في «كلية الفنون الجميلة» عام 1953، ليتخرّج منها في 1959.
بدأ حياته الصحافية في «دار الهلال» (1952)، وكان يشارك في تصميم غلاف مجلة «الاثنين». في 1956، عمل في «المساء» حيث بقي حتى عام 1963، ثم انتقل إلى «أخبار اليوم» ومجلة «آخر ساعة». ومنذ عام 1974، وهو يعمل في صحيفة «الأخبار». لم تحظ تجربة الراحل في «المساء» التي كانت تُعبّر عن «ثورة يوليو» (1952) باهتمام في مسيرته، رغم شهرة الصحيفة والفريق العامل فيها برئاسة المناضل خالد محيي الدين.
منذ بداياته، اعتمد حسين على فكرة العمل المشترك مع الكاتب. أثناء عمله في «المساء»، ارتكز إلى أفكار الراحلَيْن عبد العظيم أنيس ومحمد عودة، ما أدّى إلى فيضان أعماله بانحيازات اشتراكية واضحة سرعان ما تراجع عنها بعد تغيير سياسات تحرير الصحيفة مع رحيل محيي الدين. بعدها، أخذ الراحل يستجيب لتغيير سياسات الدولة التي عبّر عنها خير تعبير عبر انتقاله إلى «الأخبار» بطلب من مصطفى أمين. في «الأخبار»، لم يتخل عن فكرة «الانحياز الاجتماعي» وإن لم يرفع راية التمرّد.
رسومات حسين تقدّم مؤشراً على التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها مصر، إلا أنّه فضّل الانحياز إلى الخط السياسي الذي انتهجه الرئيس المصري الراحل أنور السادات وتعمّق مع خلفه حسني مبارك. رغم منافسة شرسة مع عمالقة فن الكاريكاتور المصري من أبناء مؤسسة «روز اليوسف»، استطاع حسين أن يكون الفنان الأكثر شعبية بين أبناء جيله، كما يمكن اعتباره فناناً شعبياً حظي بشهرة لم يحظ بها إلا صلاح جاهين، في حين بقي منافسوه ومعلّموه أمثال أحمد حجازي ومحيي الدين اللباد وصلاح الليثي ونبيل السلمي وبهجت عثمان ضمن «فناني نخبة». وقد يكون ذلك بسبب مواقفهم السياسية التي كلفتهم الكثير. في المقابل، ظلّت رسومات صاحب شخصية «فلاح كفر الهنادوة» فنّاً جماهيرياً بامتياز، فيما تحوّلت الشخصيات التي ابتكرها بالتعاون مع الكاتب الساخر أحمد رجب إلى «أيقونات» تُمثّل الشخصية المصرية بتنوعاتها الطبقية. علماً بأنّه عمل مع رجب لأكثر من ثلاثين عاماً. كانت هذه الأيقونات في حضورها الشعبي أقرب إلى «نكات متحركة» تسير على الأرض، وكثيراً ما وصف قرّاء «الأخبار» رسومات حسين بـ«النكات المصوّرة». وصف كان أقرب إلى الاتهام من وجهة نظر منافسيه الذين أشادوا بحرفته وانتقدوا اعتماده الكلّي في معظم أعماله على النص المصاحب والتعليق المباشر.
اللافت أنّه رغم هذا الاتهام، كان الراحل حسين بيكار ــ الأب الروحي للرسم الصحافي المصوّر في المحروسة ــ يعتبر مصطفى حسين الأكثر حرفية من غالبية تلاميذه. عاب عليه إنتاجه المتدفّق الذي «أفقده» الإتقان في لحظات كثيرة ودفعه إلى إعادة إنتاج عوالمه المعروفة التي قدّم فيها شخصيات خالدة مثل «فلاح كفر الهنادوة» الذي يُعتبر امتداداً لشخصية الفلاح الفصيح الموجودة في التراث الفرعوني. وهي شخصية لمعت في نهاية الثمانينيات، وكانت تنتقد تجربة الإصلاح الاقتصادي في زمن مبارك. كذلك، بفضل نشأته في حي الحسين الشعبي في القاهرة، ابتكر شخصيات مثل «عزيز بيه الليت» و«الكحيت» و«كنبورة» و«عبده الروتين» إضافة إلى كوميكس شهير بعنوان «الحب هو». عبر هذه النماذج، تولّى الفنان الراحل فضح اختلال القيم في عصر الانفتاح، وتحوّلت شخصيّاته إلى عمل درامي انتجه التلفزيون المصري بعنوان «ناس وناس» ولعب بطولته محمد هنيدي وأحمد راتب وعلاء ولي الدين، ما ضاعف من حضور هذه الشخصيات في الوجدان الشعبي المصري.
غير أنّ حسين لم يكن معارضاً على طول الخط. كثيراً ما اصطف في خندق النظام منذ السبعينات وحتى رحيله. عبّر تماماً عن خط السادات في التطبيع مع إسرائيل، وسخر مما عُرف بـ«دول الرفض العربي»، كما خصّ الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي برسومات لاذعة نالت شهرة كبيرة.
اتسمت أعمال حسين بالمباشرة، ورسم وجوهاً مطابقة للواقع بملامح نمطية. في كتابه «الكاريكاتور في مصر»، قال الناقد عادل كامل إنّ حسين استخدم مع رسوماته التعبيرات الشعبية بغرض «تحقيق الانتشار مع الإكثار من الأمثال الشعبية»، كما ركّز على تكرار الثيمات اللفظية مثل «جتنا نيلة في حظنا الهباب». كل ذلك من أجل «تحقيق التراكم في ذهن المتلقي».
في مقابل هذه السمات الإيجابية، مال الراحل إلى ابتسار الشخصية المصرية في الرموز والدلالات المباشرة إذ ظلّت مصر في أعماله «فلاحة»، توجّه حديثها الإرشادي إلى الفلاح المصري، كأنّما أراد دوماً البناء على حضور تمثال «نهضة مصر» للنحات العظيم محمود مختار. لكنّه ابتذل استخدامه إلى حد التماهي المطلق مع توجيهات النظام. وبسبب هذا الالتزام بالخط السياسي للدولة، كان حسين خصماً عنيداً لثوّار «25 يناير». وبعيداً من السياسة، لمع حسين كمصمم أغلفة، ورسّام بوتريه وقصص أطفال، لكن طغيان شهرته كرسام كاريكاتور أثّر سلباً في انتشار أعماله في هذه المجالات.



جوائز ومراكز

شيِّع مصطفى حسين أمس من «مسجد السيدة نفسية» في القاهرة، على أن تقيم عائلته مساء بعد غد عزاء في «مسجد الحامدية الشاذلية» في منطقة المهندسين. حصل هذا الفنان على العديد من الأوسمة والجوائز‏، منها الجائزة الفضية في مهرجان «إكشهير» في تركيا عام 1974. وذُكر اسمه في موسوعة أبرز الشخصيات المصرية، كما نال نوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1985. كذلك، حصد رسّام الكاريكاتور الراحل في العام نفسه «جائزة النيل» في الفنون من «المجلس الأعلى للثقافة»، وهي أرفع جائزة مصرية في هذا المجال. على صعيد آخر، ترأس حسين تحرير «مجلة الكاريكاتور» عام 1989، وكان رئيساً لـ«الجمعية المصرية للكاريكاتور» عام 1993، فضلاً عن قيامة بتصميم وسام نجمة سيناء التي تقلّدها الرئيس الصمري السابق أنور السادات في1990.