حملة المقاطعة التونسية: يا هند لا تكتفي بالقشورالفنانة المحترمة هند صبري، تحيّة وبعد،
يهمّنا في «الحملة الشعبية التونسيّة لمناهضة التطبيع مع «إسرائيل» ومقاطعتها» التوجّه إليك بهذه الرسالة المفتوحة بالنظر إلى كونكِ الوجه الإعلاني لشركة «غارنييه»، التابعة للشركة الأم «لورِيَال»، في الشرق الأوسط منذ 2009.

ويهمّنا مخاطبتك أكثر لما تمثّلينه لدى كثيرين من المعجبات والمعجبين بك، خصوصاً من الشباب في تونس والعالم العربي، من نموذج للفنّان العربي المتألّق والمثقف والمهتم بقضايا حقوق الإنسان. إذ ننتظر منك ألا تخذلي متابعيك عندما يتعلّق الأمر بقضية فلسطين التي تعلمين بلا شكّ مدى مركزيّتها وحساسيّتها في وجدان شعوبنا وفي ضمير كل أحرار العالم.
وتستند حملتنا إلى مبادئ «الحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» (BDS)، وهي حملة أطلقتها قوى المجتمع المدني الفلسطيني في ندائها التاريخي في 9 تموز (يوليو) 2005، ما دام الكيان الصهيوني لم ينه إحتلاله لأراضي 67، ولم يفكك نظام التمييز العنصري داخل مناطق 48، ولم يُقرّ بحق عودة الشعب الفلسطيني إلى مدنه وقراه بموجب القرار الدولي رقم 194.

«لوريال» متورطة
بالكامل في دعم
إسرائيل

والواقع أنّ BDS تستلهم من حركة المقاطعة العالميّة لنظام «الأبارتهايد» في جنوب افريقيا سابقاً، التي ساهمت بشكل فعّال، في عزله دولياً وانهياره. والربط بين حالتي «إسرائيل» ونظام بريتوريا البائد ليس اعتباطياً. ويمكن الإكتفاء في هذا السياق بأبحاث المؤرّخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية البروفيسور إيلان بابيه؛ وبنتائج تقرير الحقوقي الجنوب الإفريقي البروفيسور جون دوغارد عام 2007، بصفته المقرّر الخاص للأمم المتحدة الذي نصّ على أنّ ممارسات إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة تتسم بصفات الإستعمار والفصل العنصري.
يهمّنا كذلك أن نحيّي اعتراضك على توزيع فرع شركة «غارنييه» في «إسرائيل» كميات من مواد التجميل على مجنّدات جيش الإحتلال الصهيوني، في إطار حملة دعائية مشينة تهدف إلى تلميع صورة هذا الجيش الإرهابي في عزّ ولوغه في دماء أطفال غزة. إلا أنّنا لا نعتقد أنّ توضيح الشركة كان كافياً ليبرئها من تهمة دعم نظام الأبارتهايد الصهيوني وجيشه في فلسطين المحتلة. كما لا نعتقد أنّ فنّانة بحجمك ومسؤوليتكِ المعنوية يمكنها أن تكتفي بهذا التوضيح وتستمرّ في تمثيلها إعلانياً. ذلك أنّ الأمر لا يتعلّق بـ«غارنييه» فحسب، بل يتجاوزه إلى ممارسات الشركة الأمّ «لوريال».
فهذه الشركة متورّطة بأكثر من وجه في دعم إقتصاد نظام الأبارتهايد الصهيوني في فلسطين المحتلة. هي تستغل مصنعاً لإنتاج سلعها في مستوطنة «مجدل حامق» وهي مدينة أقامها الصهاينة سنة 1952 على أنقاض قرية المْجيدَل الفلسطينية. وقد تمّ ذلك في خضم حملة التطهير الإثني التي عرفتها فلسطين سنة 1948، وكانت السبب المباشر الذي مكّن الحركة الصهيونية من تأسيس دولة إحتلالها. وإلى اليوم، ما زالت «إسرائيل» ترفض الإعتراف بحقّ أبناء هذه القرية، وغيرها، في العودة إليها والعيش فيها بمساواة مع ساكنيها من اليهود، رغم استناد «حق العودة» إلى القرار 194 لمجلس الأمن الدولي، ورغم كونه حقاً طبيعياً وأخلاقياً لا يسقط بالتقادم.
كذلك، فإنّ «لوريال ــ إسرائيل» تنتج ماركة Natural Sea Beauty المُستَخرجة من الأملاح المعدنية للبحر الميّت، وتُصدّره إلى العديد من الدول. علماً بأنّ ثلث الشريط الساحلي لهذا البحر يقع في الضفة الغربية المحتلة، و«إسرائيل» تمنع الفلسطينيين من الوصول إليه أو استغلاله. كما أنّ الشركة ضالعة في الدعم المالي للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية التي لا يخفى على أحد مدى ارتباطها الوثيق بالمؤسسة العسكريّة هناك.
ما ذكرناه أعلاه هو فقط نبذة موجزة عن تواطؤ شركة «لوريال» ــ التي تتبعها «غارنييه» ــ مع دولة الأبارتهايد والإستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة التي لا نعترف في حملتنا، كما الأغلبية الساحقة من أبناء شعوب عالمنا العربي، بشرعيتها الأخلاقية ولا السياسية.
ولا حاجة لنا لتذكيرك بسجّل المجازر التي ارتكبتها «إسرائيل» منذ تأسيسها، آخرها مجازر غزّة الباسلة، حيث سقط حوالي ألفي شهيد فلسطيني، منهم ما لا يقل عن 430 طفلاً و240 إمرأة و106 مسناً؛ وما لا يقل عن 9750 جريحاً، غالبيتهم الساحقة من المدنيين العُزّل. هذا فضلاً عن الدمار الشامل الذي لحق بالقطاع، إلى جانب الموت البطيء الناتج عن الحصار الوحشي الذي يفرضه الكيان الصهيوني على أبناء غزّة منذ 2006، وتسبّب ــ وفق إحصائيات الأمم المتحدة ـ في معاناة ما لا يقلّ عن 54% من سكّانه من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى الافتقار إلى المواد الأساسيّة في مجالات عديدة، أهمّها الصحة والتعليم والبناء والوقود.
ختاماً، نعتقد في «الحملة الشعبية التونسية لمناهضة التطبيع مع «إسرائيل» ومقاطعتها» أنّك قادرة على اتخاذ موقف أخلاقي شجاع بالتخلّي عن شركة «غارنييه» المتورّطة بوضوح في دعم الإستعمار الصهيوني لفلسطين المحتلة وتبييض وجهه الإجرامي البغيض، وذلك عبر إعلانكِ فصل عقدك معها. ندعوك إلى أن تكوني في مستوى تطلّعات جمهورك العربي وتقفي إلى جانب الحق وأصحابه من أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد. فلا نظنّك أقل مبدئية أو التزاماً من فنانين غربيين أحرار سبق لهم أن عبروا عن مواقف شجاعة في سياق مقاطعة «إسرائيل» وداعميها من بينهم: كاسندرا ويلسون، ناتاشا أطلس، جيلو بيافرا، لاهاسا دوسيلا، روجرز واترز، كات باور، كارلوس سانتانا، إلفيس كوستيلو، سوزان ساراندون، وفرقة «ماسيف آتاك» وغيرهم.
هند صبري، أملنا كبير في أنّك ستقرّرين الوقوف إلى جانب الحق وأصحابه في غزّة وفلسطين، وفي أنّك قادرة على تقديم نموذج مشرّف للفنان الملتزم بقضايا شعبه وأمّته. شاركي في حملة مقاطعة «إسرائيل»، وكوني قدوة يفتخر بها الشباب التونسي والعربي.
ونحن على ذمّتك لتقديم المزيد من المعلومات إن اقتضى الأمر.
الحملة الشعبية التونسيّة لمناهضة التطبيع مع «إسرائيل» ومقاطعتها