الجزائر | يتتبع «ثورة الزنج» (135 د _ 2013) لطارق تقية قصة صحافي جزائري يدعى ابن بطوطة (فتحي غارس)، مهووس بالبحث في الانتفاضة المنسية في التاريخ العربي الإسلامي. الثورة التي قادها علي بن محمد ضد الخليفة العباسي المنتصر بالله خلال القرن التاسع (عام 255 هـ)، أنهكت دولة الخلافة العباسية وقضت عليها. أشعل هذه الحركة بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وفقراء العراق وغيرهم في البداية، قبل أن تشمل فئات أخرى لاحقاً من الزنج، وأهل القرى وبعض العشائر العربية الثائرة على السلطة المركزية.
بعد «روما ولا أنتوما» (2006) و«قبلة» (2009)، يأخذنا المخرج الجزائري في فيلمه الروائي الثالث في رحلة بحث عن الحقيقة. في عالم يعيش أزمات عدة، بعضها اقتصادية كما في اليونان، وأخرى طائفية كما في بيروت، إلى جانب الانتفاضة الثابتة في فلسطين، مروراً بالتمزق العراقي، يسلك ابن بطوطة طريقه لمعرفة الحقيقة.
بعد أن يُرسل إلى الجنوب لتغطية تظاهرات في غرداية الجزائرية، ينغمس في عمله ويتقرب من المتظاهرين. لكن كلمة «ثورة الزنج» التي يتفوه بها أحد المتظاهرين كافية لإثارة انتباهه. تصبح هذه الكلمة مفتاح البحث لدى ابن بطوطة. يتساءل عن معناها في البداية ليقرر الغوص فيها ومعرفة تفاصيلها، إلى أن يدرك أنها ثورة منسية في التاريخ العربي الإسلامي، تحيل على ثورة «زنج البصرة» في العراق التي زعزعت استقرار دولة الخلافة العباسية وقضت عليها.
تقود هذه الكلمة ابن بطوطة إلى المشرق. يصل إلى بيروت التي أنهكتها الحروب الطائفية. هناك يتعرف إلى نهلة (ديانا صبري) الفلسطينية المولودة في عام مجزرة صبرا وشاتيلا (1982) جاءت من اليونان حيث ثار «زنج» الأزمنة الحديثة على الأزمة الاقتصادية وغياب العدالة. قبل ذلك، يحيلنا الفيلم على أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر، ليسير على الخط نفسه، مسلطاً الضوء على «ثورات الزنج» أينما كانت. ترمز شخصية نهلة إلى القضية الفلسطينية، وتحيلنا على بطلة فيلم «نهلة» (1979) لفاروق بلوفة الذي كتبه رشيد بوجدرة، وتمثّل شخصية الفلسطيني المستمرة في المقاومة.
«ثورة الزنج» الذي حاز العام الماضي الجائزة الكبرى في «مهرجان بلفور الدولي» الفرنسي، يحيل على الصراعات الطائفية في العالم العربي، ويتوقف عند المآسي التي سببتها الرأسمالية المتمثلة في أميركا، للشعوب المقهورة أو من يمكن تسميتهم بـ«زنج» العصور الحديثة. وفور وصول ابن بطوطة إلى البصرة، مكان «ثورة الزنج»، نسمعه يردد «لا يوجد شيء». إذ لا أثر للثورة هناك، والمكان الذي قامت به اندثر واختفى، ولم تبق معالمه سوى في الذاكرة والتاريخ الذي يتكرر ويعود عوداً أبدياً.
الموضوع السياسي والعقائدي بامتياز لم يسقط العمل في فخ الخطاب المباشر. يستمدّ الشريط قوّته من رغبة ابن بطوطة في السير نحو التاريخ المنسي لإدراك انحرافات اليوم. علماً أنّ ثورة الزنج ظلّت في التاريخ العربي الإسلامي منبوذة ومسكوتاً عنها وغير مرغوب فيها. حتى أن الطبري في تاريخه وصف قائدها علي بن محمد «بالخبيث واللعين». هذا ما لا يقوله ابن بطوطة الآتي من خارج إطار التاريخ الرسمي، حيث لا همّ له سوى معرفة أسباب تعرض البسطاء للقهر والاضطهاد. وبذلك يكون طارق تقية قد ثأر لعلي بن محمد، ولزنج الأمس واليوم على حد سواء.