قبل خمسين عاماً، التقى الراحل حسن بوزريبة وراضي تريمش وعبدالوهاب بودن ورضا بن حليمة وغيرهم من الشباب التونسي المفتون بالسينما في مدينة قليبية (شمال تونس) الساحلية. حب الشاشة الكبيرة كان النقطة المشتركة بينهم، فيما قادهم حلمهم إلى تأسيس «الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة» عام 1962، و«مهرجان قليبية الدولي لفيلم الهواة» عام 1964.
كان أولئك الشباب مفتونين بالثورات الحمراء وبالحياة الجميلة، ومقربين من الفكر اليساري في بلد صغير حديث العهد بالاستقلال يحلم ببناء دولة ديمقراطية. لذا أتى إطلاق المهرجان ضمن الظروف والتحوّلات السائدة حينها. بعد عامين فقط من المحاولة الانقلابية ضد الزعيم الحبيب بورقيبة الذي قرّر بعدها حل الحزب الشيوعي ومنع التعددية الحزبية، لم يبق للطلبة والنقابيين والموظفين سوى السينما والمسرح.

23 فيلماً في المسابقة الوطنية و46 في الدولية

في هذا المناخ، ولد «مهرجان قليبية الدولي لفيلم الهواة» الذي انطلقت دورته الـ ٢٩ أمس (يقام كل سنتين مع عدم انتظام في بداياته)، محتفيةً بخمسين عاماً على ولادته. منذ بداياته، حافظ المهرجان على نفس احتجاجي يؤمن بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فكان ملاذ الشباب الحالمين بالتعبير الحر من دون رقابة، بينما واجهت مكاتبه المتعاقبة لجان وزارة الثقافة مراراً من أجل التمويل والمساندة المالية. وفي كل دوراته، توّج المهرجان أفلاماً روائية ووثائقية قصيرة من تونس والعالم العربي وأفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية بجوائزه الذهبية والفضية والبرونزية. المهرجان الذي اكتسب مكانته كنافذة على سينما الحرية والمقاومة وثقافة الاحتجاج، أطلق مخرجين كسلمى بكار وفريد بوغدير ورضا الباهي وخالد البرصاوي فيما لم تغب عنه أسماء النوري بوزيد ومحمود بن محمود ومفيدة التلاتلي، وأخرى من الجيل الجديد كوليد الطايع ورضوان المؤدب وسامي التليلي وغيرهم.
في يوبيله الذهبي هذه السنة، يحتضن المهرجان مجموعة من الأفلام مقسّمة على فئتين: «مسابقة وطنية» و«مسابقة دولية». في المسابقة الوطنية الخاصة بالهواة التونسيين، سيتنافس 23 شريطاً، أنتجت «الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة» عشرة منها. أما المسابقة الدولية، فتشهد تنوّعاً في المشاركات، تضمّ 46 عملاً من 22 دولة عربية وأفريقية وأوروبية ولاتينية. وفيما استضاف المهرجان في لجان التحكيم خلال السنوات الماضية مخرجين كباراً من ضمنهم يوسف شاهين وتوفيق صالح ومحمد لخضر حامينا، تتألّف لجنة التحكيم الدولية هذه السنة من المنتجة ماريان خوري، والسينغالي منصور صورا واد والمغربي داود اولاد السيد والألماني خوليو لمانيا أوروزكو والتونسي صلاح الضاوي. أما لجنة التحكيم الوطنية فتضم التونسيين سوسن معالج ولمياء حريق وعبد الحليم المسعودي وبلال بالي وشفيق عثمان.
وفي مناسبة مرور 50 عاماً على تأسيسه، ستشهد هذه الدورة عروضاً ومعارض على الشاطئ وفي «مقهى سيدي البحري» لاستحضار ذكريات الحدث طوال تلك السنوات. كما ستشهد التظاهرة ندوة «سينما المقاومة» يديرها الطاهر الشيخاوي بمشاركة التونسي محمد شلوف والرواندي كلمنتين ديسلبلجمبو.