منذ شريط «رحلة إلى القمر» (1902) لجورج ميلياس، فتحت شهية المخرجين على أفلام الخيال العلمي، حتى كادوا يستنفدون كل الأفكار. لذلك كان لوك بوسون (الصورة) أمام امتحان حقيقي في «لوسي»، ويبدو أنه اجتازه بنجاح، أقلّه على شباك التذاكر.ماذا لو استخدم الإنسان كل طاقات دماغه؟ حتى الآن، فإن الإنسان لا يستطيع إلا تشغيل 10 في المئة من قدراته العقلية.

وبهذه الطاقة الضئيلة، طوّع المادة والطبيعة، وتمكنّ من السيطرة على الكثير حوله، والأهم ابتكر ما يمكّنه من الخلود ككائن على هذه الأرض من خلال نقل معرفته. أما إذا وصل إلى طاقاته العقلية القسوى، فلا أحد من العلماء حتى اللحظة استطاع أن يقدم تصوراً معقولاً عما يمكن لإنسان أن يبلغه. لكن المخرج لا يحتاج ليكون عالماً بل يستطيع أن يبتكر عالمه بمخيلته. لعل هذا ما سعى بوسون إلى تحقيقه مستعيناً بسكارليت جوهانسون بمشاركة مورغان فريمان وعمرو واكد.
الشريط الذي أنتجته canal+ وeuropa corp وTF1، يتحدّث عن لوسي التي تقع في يد عصابة من تايوان تبتكر مسحوقاً مخدراً مؤلفاً من مادة  CPH4 المسؤولة عن تطور العظام والنخاع الشوكي ويتم تهريب المواد في أجساد العملاء الذين يعملون قسراً. لكن المخدر ينتشر المخدر في جسد لوسي، فيبدأ عقلها بالنمو ليبلغ قدراته الكاملة.

تجميع لمشاهد رأيناها في
أعمال الخيال العلمي


وإذا كان بوسون (كاتب العمل أيضاً) نجح في صنع قالب سينمائي جميل، فإن أفكاره عانت من فقر الابتكار والأفكار الجديدة، فاستخدام الطاقات الكبرى للدماغ شكل مادة لأكثر من عمل، ولا تزال تحفة Limitless لنيل برغر شاخصة أمامنا. كذلك ظهر العمل كأنه تجميع لمشاهد رأيناها في أفلام من الخيال العلمي من «ماتريكس» الذي يعد أب أفلام الخيال العلمي الجديدة إلى Transcendence لوالي فيستر الذي أدى بطولته جوني ديب. حتى أننا رأينا مشاهد مستنسخة من بعض الإعلانات التجارية للتلفزيونات الذكية، حيث تستطيع لوسي التحكم بالمشهد (العالم) أمامها من خلال حركات يديها. لكن ما يمنح الفيلم بعداً جميلاً هو اللمسة الفلسفية. حاول بوسون إعطاء بعد إنساني ووجودي لما يمكن أن يحدث، ونجح أحياناً في الربط بين طبيعة الإنسان «الأمارة بالسوء» وحدوده العقلية، فضلاً عن ميله الطبيعي للتكيف بدل التطور، ما يؤخّر ارتقاءه البيولوجي. وسعى بوسون جاهداً إلى تقديم صورة جميلة منفصلة عن القصة الأساسية خصوصاً عبر مشاهد العودة في الزمن إلى عصور قديمة حيث قدّم مشهديات شغلت بإتقان رغم أنّها لم تتعد أحياناً الثواني القليلة، فضلاً عن إقحام مقاطع لصور طبيعية عن الحيوانات والبشر (تحاكي اسلوب ناشونال جيوغرافيك)، ما عوّض الفقر في العقد الجانبية التي كادت أن تقضي على التشويق الذي يُفترض أن يكون في قلب العمل. غير أن التركيبة الكاملة جعلت الفيلم الذي لم يكلّف أكثر من 40 مليوناً، صفقة رابحة بعدما تجاوزت إيراداته130 مليون دولار في الأسابيع الأولى. قد لا يكون «لوسي» فيلم الموسم، لكنه تحوّل إلى ظاهرة بعدما حفظ المخرج القاعدة الذهبية: إذا أردت لعملك أن يربح، سوّقه جيداً.