لا تنفك شركة نتفليكس تفكّر في وسائل جديدة لتعزيز مكانتها كأهم شركة بث تدفقي في العالم. إحدى هذه الوسائل تتمثّل في إنتاج أفلامٍ سريعة، قوية، مهمة، وفي الوقت نفسه تضمّ نجوماً يحظون بجماهيرية واسعة. لا ريب أن النجمة الأميركية جنيفر لوبيز أو كما تُعرف باسم «جي. لو» تحتل مكانةً كبيرة بين النجوم الأميركيين من أصلٍ لاتيني. المغنية الذكية والماهرة التي تجاوزت عقدها الخامس، تظهر في فيلم «الأمّ» كما لو أنّها في أربعينياتها لسهولة أدائها ومرونتها، خصوصاً أننا أمام فيلم أكشن، فضلاً عن مقدرتها الكبيرة على التعبير عن مشاعر كثيرة. لهذا كله يمكن القول بأن فيلم «الأم» يكمل محاولة نتفليكس في العودة إلى الواجهة بعد تخبطاتٍ كثيرة خلال الفترة السابقة.عنوان الفيلم يُحيل إلى فيلم المخرجَين الفرنسيين بيار موريل ولوك بوسون «رهينة» (Taken، 2008) لناحية سرعة الحركة، قلة الكلام، وفوق هذا المباشرة في القصة والحبكة. إنها حكاية «الأم» (جنيفر لوبيز) العميلة المدرّبة والقناصة المحترفة التي تُخطف ابنتها الصغيرة زوي (لوسي بايز) من قبل عصابة من المرتزقة المدرّبين والمحترفين وعصابة من المهربين الدوليّين.
القصة سرعان ما تنتقل بسرعة إلى العاصمة الكوبية هافانا، فيما «الأم» تلاحق ابنتها وخاطفيها حتى تصل إليهم وتقتلهم. قصة مكررة ومعادة بالتأكيد، ولكن الجديد في هذا النوع من القصص هو طريقة تقديم الحكاية والحبكة، فضلاً عن مشاهد العنف التي تمتزج فيها رياضة الباركور (أي تسلق الحواجز واستخدامها لتسريع الحركة)، والأداء السريع والماهر للبطلة جنيفر لوبيز، والأبطال المساعدين كعمري هاردويك الذي يؤدي دور وليم كروز ضابط في الـ «أف ب آي ». هاردويك الذي لمع في مسلسل Power، وقبل بدور مساعد في العمل، يختلف اختلافاً جذرياً عن مسلسله المعروف. إنه بجسد موشوم وعضلات مفتولة. الحوار في العمل مسبوك بطريقة يؤدي فيها ما هو مطلوبٌ منه. لا تتحدّث «الأم» كثيراً، لكنها تقول ما يجب قوله، وهو كما أشرنا يشبه إلى حدٍ كبير دور ليام نيسون في «رهينة»: قليل الكلام، يقتل بسرعة، لا يناقش أحداً سوى بمقدار حاجته، يتجه صوب هدفه من دون النظر صوب «أي أهداف أخرى». في المقابل، هذا النوع من الأفلام يحتاج إلى شرير متميز، وهذا ما فعلته المخرجة نيكي كارو والكاتبة ميشا غرين حين أضافتا الشريرين، الإنكليزي القدير جوزيف فينز بدور أدريان لوفيل الضابط المرتزق الذي يؤمّن «كل ما يحلم الأثرياء بتأمينه مهما كان»، وتاجر المخدرات والممنوعات هيكتور ألفاريز (غايل غارسيا بيرنال).
«الأم» التي تشي بالشريرَين للـ «أف. بي. آي »، سرعان ما تصبح مطاردة من قبلهما، ويصبحان عدوّيها اللدودين، ناهيك بخطف ابنتها كما أوردنا. تظهر مهارة لوبيز أكثر في مشاهدها مع ابنتها التي لم تعرفها من قبل: إنها أمٌ مكسورة، خائفة من أن تعرّف ابنتها ذات الإثني عشر عاماً بها، ذلك أنّها قد تعرّض حياتها للخطر في حال اقتربت منها. ملامح لوبيز المنهكة، ووجهها «غير المشدود» بمبضع الجرّاح، حتى طريقتها في الطرق على قلبها بيدها، تظهر مدى تأثرها بغياب ابنتها وخسارتها لها حتى بعد إنقاذها من الأشرار.
مشاركة جوزيف فينز مهما كانت قصيرة في العمل، هي إضافة جميلة له.
إحالات جميلة إلى أفلام عديدة مثل Terminator

يستطيع الممثل الإنكليزي وشقيق رالف فينز، أن يؤدي بحرفية ومهارة متقدة، يعطي من قلبه إلى درجة لا يشك المشاهد أنه أمام ممثل بل أمام شريرٍ حقيقي. بدوره، يضيف الممثل المكسيكي غايل غارسيا بيرنال إلى الحكاية طريقته اللزجة في تقديم الشخصية والتي يمكن القول بأنها ذكية، كونه يوجه ممثلين ماهرين، فهو لا يريد تقليد فينز ويريد الوقوف أمام لوبيز باحترافية. من هنا، خصوصاً مع الكاميرا السريعة وضغط الفيلم الحركي العالي، لا يمتلك المشاهد إلا المتابعة وبدقة، كون الفيلم مرتّباً بطريقة شديدة السرعة. تغيّر المخرجة طبيعة الجو في الفيلم بسهولة وتستخدم العتمة والإضاءة الخفيفة أحياناً لإضفاء مشهدية على مشاهدها التي تبدو أشبه بلعبة فيديو: شموع متّقدة مشتعلة تضيء المكان؛ الشرير يجلس على كرسي ملوكي، يحمل سلاحاً ويتحدّث ببطء ويتناقش مع البطلة التي تخبره بأن نهايته وشيكة. تستعير المخرجة والكاتبة مشاهد من لعبتي Far Cry بجزئها الأخير الذي تجري أحداثه في جزيرة مقتبسة عن كوبا، وGhost Recon Wildlands من حيث الجو العام، والمحيط، والطرق المستخدمة، والحواري الضيقة، والناس في الطرقات وهكذا. أضف إلى ذلك أنّ المشاهد الطبيعية التي تظهر في الفيلم، يتم استخدامها بشكل جيد وفي موضعها لناحية أنّها تخدم القصة لا مجرّد مشهد طبيعي معتاد. في الوقت نفسه، لا تنسى كارو ترك بعض الإحالات الجميلة إلى أفلام أخرى مثل Terminator بجزئه الثاني مع مشاهد الدراجة النارية الشهيرة، وطريقة قيادتها، وحتى حماية ومساعدة الرهينة (ابنتها في هذه الحالة) على النجاة.
باختصار، هو فيلم أكشن سريع، قوي، لهواة النوع بالتأكيد، مركّب بطريقة تجبر المشاهد على متابعته من البداية إلى النهاية لأنه سريع، لا هدوء فيه، حتى إنّه يتجنب تقنية comic relief الشهيرة للتخفيف عن المشاهد، وهو ما ترفضه المخرجة على ما يبدو.

* The Mother على نتفليكس