أصبح جيمس غان معروفاً لشريحة كبيرة من الجماهير مع الفيلم الأول من سلسلة «حرّاس المجرة» (2014). سرعان ما كسبَ قلوبنا من خلال نكاته، وموسيقى أفلامه وطبعاً شخصياته التي نقضي معها وقتاً ممتعاً. مع الجزء الأول من «حرّاس المجرّة»، بدأ غان مع شركة «مارفل» بتحديد وتجديد مفهوم الحكاية أو «الحدوتة» في أفلامه، فأتت الثلاثية تشبه نوعاً ما السوب أوبرا (Soap Opera) أو لنكن أكثر دقة «السبيس أوبرا» (Space Opera)، التي تركّز على العلاقات العاطفية مع خلفية دراماتيكية مغلّفة بفكاهة لاذعة، وحروب نفسية تتعلق بالهوية والهروب من الماضي. بالإضافة إلى المغامرة والكوميديا الممتعة، حوّل هذا المزيج الثلاثية في جزئها الثاني «حراس المجرة 2» (2017) إلى أحد أكثر المشاريع خطورةً من «مارفل»، حتى أصبحت هذه الملحمة أكثر اتساقاً من كل أفلامها، وأحد أهم وأجمل ما أنتجته.

على مرّ السنين، وضعت استوديوات «مارفل» ثقتها في عدد كبير من المخرجين، لكن الثقة التي أعطتها لجيمس غان كانت الأهم والأنجح. منذ أن دخل غان في هذا الكون السينمائي عام 2014، عرف كيف يبعث اللامبالاة والخفة والضحك في هذا العالم، الذي ــ بحلول ذلك الوقت ـــ بالكاد كان يتكون من تسعة أفلام. بعد ما يقرب عقداً من الزمن، لا يزال هذا السحر الذي أسر الملايين في الجزء الأول، موجوداً في فيلم «حرّاس المجرة 3» (2023). في هذه الثلاثية، تجتمع الشخصيات الأكثر انتقائية في سينما الكتب الهزلية. شخصيات حمقاء، حزينة، مضحكة، واعية بذاتها تدرك تماماً مشكلاتها الشخصية، وبالطبع ترضي جماهيرها. بدأنا المقال بجيمس غان لأن فيلمه الجديد «حراس المجرة 3» ليس فقط ختام هذه السلسلة، بل إنّه أيضاً بمثابة وداع المخرج ونهاية تعامله مع «مارفل». سينتقل غان إلى عوالم «دي. سي» (DC Studios)، لأنه على الرغم من أن غان يعرف تماماً كيف يبني شخصياته المستوحاة من الكوميكس، إلا أنه حتى الآن لم يلمس أي شخصية مهمة وقوية لها ثقلها في الثقافة الشعبية، ويمكن أن يكون هذا سبب تركه لـ «مارفل» واختياره لـ «دي. سي»، بعدما عرضت عليه الأخيرة فرصة لإخراج فيلم «سوبرمان» الجديد.
لطالما كان غان يعرف كيفية كتابة مجموعة من الشخصيات وجعلها تتفاعل مع بعضها البعض بطريقة ممتعة للغاية. الفصل الأخير من ثلاثية «حرّاس المجرة» هو الحلقة الأكثر عاطفية ونضوجاً في عوالم «مارفل» حتى الآن. عرف غان كيف يوفّق بين الفكاهة المحبّبة التي اعتاد عليها والنغمة الدرامية للقصة المؤلمة التي تدور حول البحث عن الهوية. لذلك، يركز «حرّاس المجرّة 3» على الوداع، وعلى خلفيات الشخصيات وماضيها وتحديد مستقبلها، خصوصاً روكيت (برادلي كوبر). في هذا الفيلم، نكتشف ماضيه المكتوم من الجزء الأول. يغادر الحراس مجرتهم «نووير» (NOWHERE) بعدما وصل آدم وارلوك (ويل بولتر) إلى خطف روكيت وإرجاعه إلى High Evolutionary (شوكوودي لووجي)، الشرير الذي يريد خلق حضارة مثالية، بغض النظر عن الجرائم والشرّ الذي يرتكبه للوصول إلى هدفه. وهكذا، فإن ستار لورد (كريس يرات)، دراكس (ديف بوتيستا) ونيبولا (كارين غيلان) ومانتيس (بوم كليمنتيف) وغروت (فان ديزل)، يبدؤون مغامرتهم لإنقاذ رفيقهم روكيت وإيقاف الشرير عن تحقيق هدفه، تنضم إليهم غومارا (زوي سالدانا)، مرة أخرى وأخيرة بعدما كنا قد ودّعناها في الجزء الثاني.


فصل ثالث وأخير من سلسلة لم يكن يتوقع منها الكثير، تنتهي اليوم لتكون بمثابة جرعة حياة لعوالم «مارفل». كما يقول غان وداعاً لشخوصه، فإنهم يفعلون الشيء نفسه مع بعضهم البعض. نهاية مبتذلة بعض الشيء، لكنها تناسب الثلاثة: الجزء الأول هو للّقاء والوقوع في الحب، والجزء الثاني للحب، والثالث للانفصال. ثلاثية «حرّاس المجرة»، هي الأكثر اكتمالاً في عوالم «مارفل»، على الرغم من أن الشخصيات لم تكن مشهورةً كثيراً في القصص المصوّرة مقارنةً بغيرها من الشخصيات، ولكنّ غان عرف كيف يضعها على الخريطة وإنشاء قصة غريبة بإحساس غريب بين الضحك والدموع. يعتبر «حرّاس المجرة» دليلاً على أن هذا النوع من الأفلام لم يمت بعد، ولو أصيب بانتكاسات كبيرة، لكن بهدف النجاح، ينبغي لك إخبار قصص منطقية، بشخصيات جذابة، وألا تكون الأفلام مجرد مرحلة لمشاريع مستقبلية. أدت الجهود المبذولة من أجل إنتاج عدد كبير من الأفلام المبنية على الكتب الهزلية، إلى ظهور كم هائل من القصص والأفلام. ومن أجل الحفاظ على اتصالها ببعضها البعض، أُجبرت الشخصيات على التخلّي عن فرديتها لتكون واحدة من المجموعة، ما قلّص هامش الابتكار... إلى أن ظهر «حرّاس المجرّة» ليضفي لوناً إلى ديناميكيات الفريق المعتادة، لأنّ هذه الشخصيات، في الأصل، لا يمكن أن تكون فردية ووجدت لتكون مع مجموعة، ما أعطاها بعداً مركّباً بعمق أكبر، بالإضافة إلى التصميمات الإبداعية والمرئيات المبتكرة، التي جعلت هذه الثلاثية الأكثر نجاحاً وفرادةً من نوعها.
جدّد المخرج الأميركي مع شركة «مارفل» مفهوم الحكاية أو «الحدوتة» في أفلامه


«حرّاس المجرّة 3»، ممتع بتصميمات أزياء وإنتاج ذكي يساعد على توسيع الكون وتطوير الشخصية بشكل مثالي لإغلاق الثلاثية. واضح جداً أنّ إيقاع السرد ليس مرادفاً لتراكم المواقف، كما يحصل عادة في أفلام «مارفل». في إنتاجات «مارفل» الأخرى، يكون الإفراط في المشاهد والمعارك والأحداث التي تدخل في بعضها البعض هي المحرك الأساسي للفيلم. أما في «حرّاس المجرة»، فالمواقف المنطقية هي التي تسمح للسرد بالتكشّف، وبسببها يفلت الفيلم من مشكلة إدخال الكثير من المشاهد، ليكون متناسقاً أكثر من دون دمج فائض، ما يسمح للشخصيات بإعطاء الوزن العاطفي المطلوب، لأنّ الحراس ليسوا أبطالاً خارقين، بل شخصيات تحوّل عيوبها إلى قوة وإرادة. تلعب الحوارات السريعة والمباشرة وروح الدعابة العبثية دوراً مهماً في إنشاء هذه الأجواء الخيالية المبهجة. وإن كان هذا ليس كافياً، فهناك الموسيقى التصويرية والأغاني التي تصاحب الشريط، فتثير دوماً الشعور بالابتهاج. الخطوط العريضة التي تقوم عليها الحبكة خالية من المفاجآت، لكنها تعمل بأمان، وهذا ما يجعلها ساحرة وبسيطة وتؤدي دورها في الإمتاع. وبالطريقة نفسها تعمل الصرامة المرئية، وهي ثابتة في عوالم مستحيلة ذات هياكل معمارية عضوية مبهرة. وهكذا يكون الفيلم قادراً على الاستمتاع بنفسه قبل إمتاعنا. «حرّاس المجرة 3» انفجار حقيقي للمشاعر، ووداع مثالي وربما يكون قاسياً. فيلم لا يعتمد على الرابط مع بقية أفلام «مارفل»، بل مستقلّ بنفسه ولا يفقد روحه التخريبية. يقدّم خاتمة لائقة، في عمل نابع من عقل خالقه المتميز.

* Guardians of The Galaxy Vol.3 في الصالات