لم يتوقّع أحد أن تصبح سلسلة أفلام «جون ويك» أحد أهم أفلام الحركة في السنوات العشر الأخيرة. حتى إنّ مسيرة كيانو ريفز لم تكن في أفضل حالاتها لدى صدور الجزء الأول في عام 2014. ثم جاءت التتمات، وكل منها بميزانية ونجاح أكبر، حتى وصلنا إلى «جون ويك: الفصل الرابع» بميزانية 90 مليون دولار بعدما كانت ميزانية الفيلم الأول 20 مليوناً فقط. وهذا واضح على الشاشة، لأننا أمام أكثر أفلام السلسلة وحشيةً وطموحاً. «جون ويك رجل ملتزم ومركز وله إرادة صافية»، هكذا يصفه أعداؤه، ولكن يمكن استخدام هذا الاقتباس للإشارة إلى فريق الإنتاج والمخرج وراء هذه السلسلة. ما أنجزه المخرج تشاد ستاهلسكي وفريقه على مدار عشر سنوات ليس بالأمر الهين. لقد بنوا امتيازاً حركياً لا يمكن أبداً إنكار تأثيره، والأهمّ لا يشعرك بأنه مقلّد أو مكرر. نحن أمام شيء يتحرك إلى الأمام دائماً، ولا يشعر بالتعب أبداً. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو مستحيلاً، فإننا نتقبّله بكل أريحية. ما نراه على الشاشة مع «جون ويك: الفصل الرابع» يفوق كل شيء شاهدناه في هذه السلسلة من قبل، بل يؤكد لنا أنّ ريفز هو أحد أهم نجوم أفلام الأكشن. يبدو الأمر كما لو أن المخرج قد أعدّ خلاصةً وافيةً لما نجح بشكل أفضل في الأجزاء الثلاثة السابقة، ووضعها في ملحمته الجديدة، والنتيجة شريط يتبنى رموز السينما السوداء والآسيوية والياكوزا، والساموراي و«البي موفيز» اليابانية والأكشن الهوليوودي الخيالي. والعنصر الأهم الذي اهتمّت به هذه السلسلة هو مناخ الميثولوجيا والأساطير. في الجزء الأول كانت إضافة غريبة منحت الفيلم هويته الخاصة، ولم تتوقف الأساطير عن النمو حتى الجزء الجديد، الذي يبدو أنّه النهاية، على الرغم من أن الحديث عن الجزء الخامس قد بدأ بالفعل.
الفيلم الجديد يبدأ عند نهاية الجزء الثالث، ولا يزال جون ويك يتعامل مع عواقب القرار الصارم الذي اتخذه في نهاية الجزء الثاني، وبالطبع تستمر الأخطار التي يواجهها بالتزايد. ندخل الفيلم ونحن على علم بأن جون ويك أصبح متمرداً وأعلن نفسه عدواً «للطاولة العليا» وأنهم لا يزالون يلاحقونه لكونه محروماً من الامتيازات ويريدون قتله. وإن كنا رأينا ويك يقاتل من أجل حريته بين حشود في مترو نيويورك ويبارز رجال العصابات على ظهر حصان ووصوله إلى الدار البيضاء لقتل المزيد، سنراه في الفيلم الجديد يقتل جيشاً من الساموراي في أوساكا ويهز شوارع باريس ويصعد سلالم مونمارتر مراراً وتكراراً للوصول إلى «كنيسة القلب الأقدس». والأهم من كل هذا، هو المشهد الطويل في المبنى المهجور في لقطة علوية تظهر على الشاشة من دون سابق إنذار وتروي قصتها الخاصة. وهكذا يمكن القول بأنّ هذه السلسلة أحدثت ثورة في سينما الحركة، أوبرا تتلاعب بالقواعد وتغيرها حسب الرغبة. «جون ويك: الفصل الرابع» لا يزال فيلم الأكشن المذهل، هو معيار من حيث تصميم المشاهد والمعارك والتصوير السريع. في الفيلم، نشعر بأننا نتعرض للضرب، كل شيء شديد التفصيل ويثير القلق في خضمّ وابل من الرصاص المتفجر والدم والضربات.
القصة البطولية لجون ويك تخبرنا عن عالم من العهد القديم حيث قاعدة «العين في العين» موجودة فقط. لا يمكننا ألا نحب هذا الفيلم، على الرغم من أنّه انتقامي بدائي، لكننا نشعر بالرضى حيال ذلك. تمر الساعات الثلاث من دون أن نشعر بها. بينما نضحك في بعض الأحيان على السخافة، نفتح أفواهنا تعجّباً في مشهد قتال محترف في أحيان أخرى، لا يمكننا أن نتعب من الجزء الرابع، على الرغم من أن كل شيء فيه متعب. لا يمكننا التفكير في سلسلة أفلام تحتوي على جزء رابع جيد، ولكن «جون ويك: الفصل الرابع» يحافظ على المعيار العالي ويأتي هذا من الحماس والتفاني للمخرج وفريق العمل لأنهم يريدون الحصول على أفضل النتائج. لا يزال الفيلم هو نفسه على مستوى السرد... مفكّك لكنه جيد التخطيط وفعّال، وكيانو ريفز منفصل عن كل شيء وعن الجميع، يرقص رقصته وحده، يظهر في كل مشاهده بأناقة مسرحيّة وبلمسة من اللامعقولية.
يتبنّى رموز السينما السوداء والآسيوية والياكوزا والأكشن الهوليوودي الخيالي


يتفوّق «جون ويك: الفصل الرابع» على الأجزاء السابقة، وهذا ما يجعله ممتعاً للغاية. على السطح، إنه مرح، ومصمّم ببراعة، ومصوّر بشكل جميل، وفيه عربدة حركة محمومة بلا توقف حول رجل لا يمكن إيقافه يطحن أي شخص يعترض طريقه. بالنظر إلى ما هو أعمق من ذلك، نجد رواية أسطورية تلامس، في الوقت عينه، عالم القصص الخيالية اليونانية والأحداث الحالية وفيه روح فيلم معاصر بنكهة ألعاب الفيديو. أما السؤال الأبرز فهو: أين يمكن لهذه السلسلة أن تذهب بعد؟ الفصل الرابع لكل سلسلة دائماً ما يكون أكثر من اللازم، لكن مع جون ويك حتى الموت يمكن أن لا يكون النهاية.

* John Wick: Chapter 4 في الصالات